يحكمون بعدالة الرواة، و
يستندون في ذلك إلى الشيخ و النجاشي و ابن الغضائري و غيرهم من علماء الرجال، فإذا
رجعنا إلى دفاترهم لم نجد في كلامهم[1] إلّا الإطلاق، غير أنّهم لا
يعوّلون إلّا على أرباب البصائر التامّة في هذا الشأن كالمذكورين، دون من ضعف
مقامه إلّا أن يذكر السبب، و كذلك وجدناهم يحكمون بالضعف و يقفون من الأخذ بالخبر
إذا رماه واحد من هؤلاء بالضعف.
و
بالجملة، لا إشكال في قبول التعديل من علماء الرجال من دون ذكر السبب؛ لظهور إرادتهم
ما هو متّفق عليه في زمانهم؛ لكون دأب المصنّفين و طريقتهم في تصانيفهم و تآليفهم
ذلك؛ لمنافاة إرادة غيره لمقصودهم الذي هو رجوع من تأخّر عنهم إليها و انتفاعهم
بها، و لا يطلقون إلّا إذا كان المراد ما لا خلاف فيه، و إن أرادوا ما فيه خلاف،
فطريقتهم الإشارة إلى ذكر السبب، أو بيان ما وقع الخلاف فيه. و كذلك الجرح، فلا
يخرجون مطلقا إلّا بما كان عند الكلّ جرحا.
فإن
قلت: إنّ ما ذكرت من إرادة المعنى الذي هو متّفق عليه و إن كان يستلزم تعميم النفع
لكنّه مفوّت لفائدة اخرى، و هي أنّه قد يكون مذهب المجتهدين اللاحقين أنّ العدالة
هي المعنى الأدنى، فلا يعلم حينئذ هل كان متّصفا بهذا المعنى أم لا؟ فلو لم يسقط
المؤلّف اعتبار هذا المقدار لكان النفع[2]
أكثر.
قلنا:-
مع أنّ هذا النفع بالنسبة إلى الأول أقلّ؛ لذهاب الأكثر إلى المعنى الأعلى، و
القول بالمعنى الأدنى بالنسبة إليه نادر كما يظهر من التتبّع في كلمات القوم، بل
ادّعى بعضهم اتّفاق الكلمة على المعنى الأعلى فيه- إنّا نراهم يمدحون الرجل بمدائح
كثيرة توجب العدالة بمعنى حسن الظاهر، بل و أكثر منه، و مع ذلك لا يصرّحون
بعدالتهم، فمن ليس مذهبه في العدالة المعنى الأعمّ فليأخذ بمقتضى