بل إنّ رحمته العامّة تشمل الصالحين والطالحين ، وتستوعب كلّ شيء في الوجود إذ قال تعالى : «وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْ ءٍ» [1] . كما قال شاعر الإنسانية سعدي الشيرازي : أديم الأرض مائدة عامّة له وعلى هذا الخوان يجلس ، الصّديق والعدوّ سواء [2] من منظار هذه السنّة الإلهية يكتب أميرالمؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر في عهده لمّا ولاّه مصر : وأشعِر قَلبَكَ الرّحمَةَ لِلرّعِيّةِ ، والمَحَبَّة لَهُم ، والُّلطفَ بِهِم ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيهم سَبُعا ضَاريا ، تَغتَنِمُ أكلَهُم ، فَإِنَّهُم صِنفَانِ : أو أخٌ لَكَ في الدِّينِ ، وإما نَظيرٌ لَكَ في الخَلقِ . [3] وقال عليه السلام أيضا : أبْلَغُ مَا تُسْتَدَرُّ بِهِ الرَّحْمَةُ أنْ تُضْمَرَ لِجَميعِ النَّاسِ الرَّحمَةُ . [4] ليس البارئ الرحيم هو المعلم الأكبر في ساحة المحبّة فحسب ، بل إنّ عواطف المحبّة كلّها تمتدّ جذورها في رحمته ومحبته ، وبدون الارتباط به لا يُكتب لمحبةٍ بقاءٌ ، ولا للأحقاد التي تعصف بالعالم زوالٌ ، ولا لآمال البشرية في سيادة المحبّة وإحلال السلام والوئام تحقّق . إنّ كتاب ـ المحبّة في القرآن والحديث ـ الّذي بين أيديكم ، تفصيل لِما أجملناه في السطور الّتي سبقت ، وقد لقيت طبعته العربيّة ترحيبا مشجّعا لدى المعنيّين
[1] الأعراف : 156 .[2] بوستان سعدي الشيرازي والبيت بالفارسية : { اَديم زمين ، سُفره عام اوست چه دشمن بر اين خوان يغما ، چه دوست }[3] نهج البلاغة ، الرسالة 53 .[4] غرر الحكم : 3353 .