responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مراقبات شهر رمضان المؤلف : المحمدي الري شهري، الشيخ محمد    الجزء : 1  صفحة : 234

الملائكة والروح ببصيرة القلوب ، وهم من ثَمَّ ينغمرون بجلال هذه اللَّيلة وينعمون ببركاتها وهباتها على أفضل ما يُرجى ، على أنَّ هذه النعمة الّتي يحظى بها هؤلاء لا تقف عند حدود ليلة القدر ، بل تتخطّى ذلك إلى تحديد أوّل الشهر أيضا من دون حاجة إلى الاستهلال وإلى شهادة الشهود وإلى استعمال الأجهزة العلمية . إنّ الفقيه العارف الجليل السيّد ابن طاووس قدس سره يصف هذه الحالة بقوله : « اعلم أنّ تعريف اللّه ـ جلّ جلاله ـ لعباده بشيء من مراده فإنّه لا ينحصر بمجرّد العقل جميع أسبابه ، ولا يدرك بعين الشرع تفصيل أبوابه ؛ لأنّ اللّه ـ جلّ جلاله ـ قادر لذاته ، فهو قادر على أن يعرِّف عباده مهما شاء ومتى شاء بحسب إرادته ، وأعرف على اليقين من يعرف أوائل الشهور وإن لم يكن ناظرا إلى الهلال،ولا حضر عنده أحد من المشاهدين ، ولا يعمل على شيء ممّا تقدَّم من الروايات،ولا بقول منجّم ولا باستخارة ، ولا بقول أهل العدد ، ولا في المنام ، بل هو من فضل ربّ العالمين الّذي وهبه نور الألباب من غير سؤال،وألهمه العلم بالبديهيّات من غير طلب لتلك الحال، ولكن هو مكلَّف بذلك وحدَه على اليقين حيث علم به على التعيين » . [1] يبدو أنَّ الإشارة في النصّ هي إلى شخص السيّد ابن طاووس نفسه ، بيد أنّه امتنع عن التصريح نأيا عن امتداح النفس والثناء عليها .

6 . أفضل أعمال ليلة القدر

في سياق بيانه لنوافل ليالي شهر رمضان في المجلس الثالث والتسعين من كتاب « الأمالي » ، وبعد أن ذكر صلاة مِئَة ركعة لليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين ، عاد شيخ المحدّثين ابن بابويه قدس سرهليقول : « ومن أحيا هاتين الليلتين بمذاكرة العلم فهو أفضل » [2] .


[1] إلاّ في الحالات الّتي يثبت فيها الهلال بالرؤية القطعية .

[2] لو اختلف الاُفق وشوهد الهلال في البلاد الغربيّة فهل يكفي ذلك للشرقيّة كبلاد الشام بالإضافة إلى العراق أو لا ؟ المعروف والمشهور هو الثاني ، حيث ذهبوا إلى القول باعتبار اتّحاد الاُفق . وذهب جمع من المحقَّقين إلى الأوَّل وأنَّ الثبوت في قطر كافٍ لجميع الأقطار ، منهم العلاّمة في المنتهى ، وصاحب الوافي والحدائق والمستند ، والسيّد الخونساري وغيرهم ، ومال إليه في الجواهر ، واحتمله الشهيد في الدروس ( مستند العروة الوثقى « كتاب الصوم » : ج 2 ص 116 ) .

[3] علاوة على تمسّكه بإطلاق الروايات ، استدلّ آية اللّه الخوئي ـ رضوان اللّه عليه ـ لإثبات هذه النظرية بمسألة نجومية ، حيث ذهب إلى القول في هذا السياق : « إنَّ القمر في نفسه جرم مظلم وإنما يكتسب النور من الشمس نتيجة المواجهة معها ، فالنصف منه مستنير دائما ، والنصف الآخر مظلم كذلك ، غير أنَّ النصف المستنير لا يستبين لدينا على الدوام ، بل يختلف زيادةً ونقصا حسب اختلاف سير القمر . فإنَّه لدى طلوعه عن الاُفق من نقطة المشرق مقارنا لغروب الشمس بفاصل يسير في اللّيلة الرابعة عشرة من كلِّ شهر ، بل الخامسة عشرة فيما لو كان الشهر تامّا يكون تمام النصف منه المتّجه نحو الغرب مستنيرا حينئذٍ لمواجهته الكاملة مع النير الأعظم ، كما أنّ النصف الآخر المتّجه نحو الشرق مظلم . ثُمّ إنَّ هذا النور يأخذ في قوس النزول في اللّيالي المقبلة ، وتقلُّ سعته شيئا فشيئا ـ حسب اختلاف سير القمر ـ إلى أن ينتهي في أواخر الشهر إلى نقطة المغرب بحيث يكون نصفه المنير مواجها للشمس ، ويكون المواجه لنا هو تمام النصف الآخر المظلم . وهذا هو الّذي يُعبَّر عنه بتحت الشعاع والمحاق ، فلا يرى منه أيّ جزء ؛ لأنَّ الطرف المستنير غير مواجه لنا لا كلاًّ كما في اللّيلة الرابعة عشرة ، ولا بعضا كما في اللّيالي السابقة عليها أو اللاحقة . ثُمَّ بعدئذٍ يخرج شيئا فشيئا عن تحت الشعاع ، ويظهر مقدار منه من ناحية الشرق ويُرى بصورة هلال ضعيف ، وهذا هو معنى تكوُّن الهلال وتولُّده . فمتى كان جزء منه قابلاً للرؤية ولو بنحو الموجبة الجزئيَّة فقد انتهى به الشهر القديم ، وكان مبدأً لشهر قمري جديد . إذا فتكوُّن الهلال عبارة عن خروجه عن تحت الشعاع بمقدار يكون قابلاً للرؤية ولو في الجملة ، وهذا كما ترى أمر واقعي وحداني لا يختلف فيه بلد عن بلد ، ولا صقع عن صقع ؛ لأنَّه كما عرفت نسبة بين القمر والشمس لا بينه وبين الأرض ، فلا تأثير لاختلاف بقاعها في حدوث هذه الظاهرة الكونيَّة في جوِّ الفضاء . وعلى هذا فيكون حدوثها بدايةً لشهر قمري لجميع بقاع الأرض على اختلف مشارقها ومغاربها وإن لم يرَ الهلال في بعض مناطقها لمانع خارجي من شعاع الشمس ، أو حيلولة الجبال وما أشبه ذلك . أجل ، إنَّ هذا إنّما يتَّجه بالإضافة إلى الأقطار المشاركة لمحلِّ الرؤية في اللّيل ولو في جزء يسير منه بأن تكون ليلة واحدة ليلةً لهما وإن كانت أوَّل ليلة لأحدهما ، وآخر ليلة للآخر المنطبق طبعا على النصف من الكرة الأرضيَّة دون النصف الآخر الّذي تشرق عليه الشمس عندما تغرب عندنا ، بداهة أنَّ الآن نهار عندهم فلا معنى للحكم بأنَّه أوَّل ليلة من الشهر بالنسبة إليهم . ولعلَّه إلى ذلك يشير سبحانه وتعالى في قوله : « رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَ رَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ » ( الرحمن : 17 ) باعتبار انقسام الأرض بلحاظ المواجهة مع الشمس وعدمها إلى نصفين ، لكلٍّ منهما مشرق ومغرب ، فحينما تشرق على أحد النصفين تغرب عن النصف الآخر وبالعكس ، فمن ثمَّ كان لها مشرقان ومغربان . والشاهد على ذلك قوله سبحانه : « يَــلَيْتَ بَيْنِى وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ » ( الزخرف : 38 ) الظاهر في أنَّ هذا أكثر بعدا وأطول مسافةً بين نقطتي الأرض ، إحداهما مشرق لهذا النصف ، والاُخرى مشرق للنصف الآخر . وعليه فإذا كان الهلال قابلاً للرؤية في أحد النصفين حُكم بأنَّ هذه اللّية أوَّل الشهر بالإضافة إلى سَكنة هذا النصف المشتركين في أنَّ هذه اللّيلة ليلة لهم ، وإن اختلفوا من حيث مبدأ اللّيلة ومنتهاها ... ـ إلى أن قال : ـ فمقتضى هذه الروايات الموافقة للاعتبار عدم كون المدار على اتّحاد الاُفق ، ولا نرى أيَّ مقتضٍ لحملها على ذلك ، إذ لم يذكر أيّ وجه لهذا التقييد عدا قياس أمر الهلال بأوقات الصلوات الّذي عرفت ضعفه ، وأنَّه مع الفارق الواضح بما لا مزيد عليه . ويؤكده ما ورد في دعاء صلاة يوم العيد من قوله عليه السلام : « أسألك بحقّ هذا اليوم الّذي جعلته للمسلمين عيدا » فإنَّه يعلم منه بوضوح أنَّ يوما واحدا شخصيّا يشار إليه بكلمة ( هذا ) هو عيد لجميع المسلمين المتشتِّتين في أرجاء المعمورة على اختلاف آفاقها ، لا لخصوص بلدٍ دون آخر . وهكذا الآية الشريفة الواردة في ليلة القدر وأنَّها خير من ألف شهر ، وفيها يفرق كلُّ أمرٍ حكيم ، فإنَّها ظاهرة في أنَّها ليلة واحدة معيَّنة ذات أحكام خاصَّة لكافَّة الناس وجميع أهل العالم ، لا أنَّ لكلِّ صقع وبقعة ليلة خاصّة مغايرة لبقعة اُخرى من بقاع الأرض ( مستند العروة الوثقى « كتاب الصوم » : ج 2 ص 118 ـ 122 ) .

[4] تفسير نمونه : ج 27 ص 192 .

[5] الإقبال : ج 1 ص 61 .

[6] الأمالي للصدوق : ص 747 .

[7] جامع الأخبار : ص 109 ح 195 ، بحار الأنوار : ج 1 ص 203 ح 21 .

[8] راجع : العلم والحكمة في الكتاب والسنة : ص 218 « فضل طلب العلم على العبادة » .

اسم الکتاب : مراقبات شهر رمضان المؤلف : المحمدي الري شهري، الشيخ محمد    الجزء : 1  صفحة : 234
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست