قالَ: لَيسَ شَيءٌ أطيَبَ مِنهُما إذا طابا، و لا أخبَثَ مِنهُما إذا خَبُثا.[1]
3/ 5
عَدَمُ تَعَلُّقِ القَلبِ بِرِضَا النّاسِ
26. فتح الأبواب: قَد رُوِيَ أنَّ لُقمانَ الحَكيمَ قالَ لِوَلَدِهِ في وَصِيَّتِهِ: لا تُعَلِّق قَلبَكَ بِرِضَا النّاسِ و مَدحِهِم و ذَمِّهِم؛ فَإِنَّ ذلِكَ لا يَحصُلُ و لَو بالَغَ الإِنسانُ في تَحصيلِهِ بِغايَةِ قُدرَتِهِ.
فَقالَ لَهُ وَلَدُهُ ما مَعناهُ: احِبُّ أن أرى لِذلِكَ مَثَلًا أو فَعالًا أو مَقالًا.
فَقالَ لَهُ: اخرُج أنَا و أنتَ، فَخَرَجا و مَعَهُما بَهيمٌ فَرَكِبَهُ لُقمانُ و تَرَكَ وَلَدَهُ
يَمشي خَلفَهُ، فَاجتازا عَلى قَومٍ، فَقالوا: هذا شَيخٌ قاسِي القَلبِ، قَليلُ الرَّحمَةِ، يَركَبُ هُوَ الدّابَّةَ و هُوَ أقوى مِن هذَا الصَّبِيِّ، و يَترُكُ هذَا الصَّبِيَّ يَمشي وَراءَهُ، إنَّ هذا بِئسَ التَّدبيرُ.
فَقالَ لِوَلَدِهِ: سَمِعتَ قَولَهُم و إنكارَهُم لِرُكوبي و مَشيِكَ؟ فَقالَ: نَعَم.
فَقالَ: اركَب أنتَ يا وَلَدي حَتّى أمشِيَ أنَا، فَرَكِبَ وَلَدُهُ و مَشى لُقمان فَاجتازا عَلى جَماعَةٍ اخرى، فَقالوا: هذا بِئسَ الوالِدُ، و هذا بِئسَ الوَلَدُ، أمّا أبوهُ فَإِنَّهُ ما أَدَّبَ هذَا الصَّبِيَّ حَتّى رَكِبَ الدّابَّةَ و تَرَكَ والِدَهُ يَمشي وَراءَهُ، وَ الوالِدُ أحَقُّ بِالاحتِرامِ وَ الرُّكوبِ، و أمَّا الوَلَدُ فَإِنَّهُ قَد عَقَّ والِدَهُ بِهذِهِ الحالِ، فَكِلاهُما أساءَ فِي الفَعالِ.
فَقالَ: نَركَبُ مَعاً الدّابَّةَ، فَرَكِبا مَعاً فَاجتازا عَلى جَماعَةٍ، فَقالوا: ما في قَلبِ هذَينِ الرّاكِبَينِ رَحمَةٌ، و لا عِندَهُم مِنَ اللّهِ خَيرٌ، يَركَبانِ مَعاً الدّابَّةَ يَقطَعانِ ظَهرَها، و يَحمِلانِها ما لا تُطيقُ، لَو كانَ قَد رَكِبَ واحِدٌ، و مَشى واحِدٌ كانَ أصلَحَ و أجوَدَ.
فَقالَ: سَمِعتَ؟ قالَ: نَعَم.
فَقالَ: هاتِ حَتّى نَترُكَ الدّابَّةَ تَمشي خالِيَةً مِن رُكوبِنا، فَساقَا الدّابَّةَ بَينَ أيديهِما و هُما يَمشِيانِ فَاجتازا عَلى جَماعَةٍ فَقالوا: هذا عَجيبٌ مِن هذَينِ الشَّخصَينِ يَترُكانِ دابَّةً فارِغَةً تَمشي بِغَيرِ راكِبٍ و يَمشِيانِ، و ذَمّوهُما عَلى ذلِكَ كَما ذَمّوهُما عَلى كُلِّ ما كانَ.
فَقالَ لِوَلَدِهِ: تَرى في تَحصيلِ رِضاهُم حيلَةً لِمُحتالٍ؟ فَلا تَلتَفِت إلَيهِم، وَ اشتَغِل بِرِضَا اللّهِ جَلَّ جَلالُهُ، فَفيهِ شُغُلٌ شاغِلٌ، و سَعادَةٌ، و إقبالٌ فِي الدُّنيا و يَومَ الحِسابِ وَ السُّؤالِ.[2]
[1] المصنف لابن أبي شيبة: ج 8 ص 122 ح 4، البداية و النهاية: ج 2 ص 127.
[2] فتح الابواب: ص 307، بحار الأنوار: ج 13 ص 433 ح 27.
اسم الکتاب : حكمت نامه لقمان المؤلف : محمدی ریشهری، محمد الجزء : 1 صفحة : 56