و في المحاسن و المساوئ: إنّ عَدِيّ بن حاتم دخل على معاوية بن أبي سُفْيَان فقال: يا عَدِيّ، أين الطَّرَفات؟ يعني بنيه طريفاً و طارفاً و طرفة.
قال: قُتلوا يوم صفِّين بين يدي عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه.
فقال: ما أنصفك ابن أبي طالب إذ قدّم بنيك و أخّر بنيه!
قال: بل ما أنصفت أنا عليّاً؛ إذ قُتل و بقيتُ!
قال: صف لي عليّاً. فقال: إنّ رأيت أن تُعفيني.
قال: لا أعفيك.
قال: كان و اللَّهِ؟ بعيدَ المدى و شديدَ القوى، يَقولُ عدلًا و يَحكُمُ فصلًا، تتفجّر الحكمةُ من جوانبهِ، و العلمُ مِن نَواحيهِ، يستوحش من الدُّنيا و زهرتها، و يستأنِسُ بالليل و وحشته، و كان و اللَّه، غزيرَ الدَّمعة، طويلَ الفِكرَةِ، يُحاسِبُ نفسَهُ إذا خَلا، و يُقلِّبُ كَفّيهِ علَى ما مضَى، يُعجِبُهُ مِنَ اللِّباسِ القصيرُ، و مِنَ المَعاشِ الخَشِنُ، و كانَ فينا كأحَدِنا، يُجيبنا إذا سألناهُ و يُدنينا إذا أتَيناهُ، و نَحنُ مَعَ تقريبِهِ لَنا و قُربِهِ مِنّا لا نُكَلّمُه لِهَيبتهِ، و لا نرفَعُ أعيُنَنا إليهِ لِعظمَتِهِ، فإن تَبسَّمَ فَعَنِ اللُّؤلؤِ المَنظُومِ، يُعظِّمُ أهلَ الدِّينِ، يَتحبَّبُ إلى المَساكِينِ، لا يخافُ القَوِيُّ ظُلمَهُ، و لا ييأس الضَّعيف من عدله.
فاقسِمُ، لَقدْ رأيتُهُ ليلةً و قَد مَثُلَ في محرابِهِ، و أرخى اللَّيلُ سِربالَهُ و غَارَتْ نُجومُهُ، و دُموعُهُ تتحادَرُ على لِحيَتِهِ و هو يَتملمَلُ تَملمُلَ السَّليمِ، و يَبكِي بُكاءَ
[1]. مروج الذهب: ج 3 ص 13 و راجع تاريخ مدينة دمشق: ج 40 ص 95، العقد الفريد: ج 3 ص 86، الأمالي للسيّد المرتضى: ج 1 ص 217.