سَلامٌ عليْكم.
فإنِّي أحْمَدُ إليْكم اللَّه الَّذِي لا إله إلَّاهو.
أمَّا بعدُ، فإنَّ للَّهِ عِباداً آمَنوا بالتَّنْزيلِ وعَرَفوا التَّأْويلَ وفُقِّهوا في الدِّين، وبيَّنَ اللَّهُ فضْلَهم في القُرآنِ الحَكيم، وأنْتَ يا مُعاوِيَةُ وأبوكَ وأهْلُكَ في ذلِكَ الزَّمانِ أعداءُ الرَّسولِ، مُكَذِّبونَ بالكتابِ، مُجْمِعونَ على حَرْبِ المُسلمِينَ، مَن لَقِيتُم مِنهُم حَبَسْتُموهُ وعَذَّبتُموهُ وقَتَلْتُموهُ، حَتَّى إذا أرادَ اللَّهُ تَعالى إعزازَ دِينِهِ وإظهارَ رسُولِهِ، دَخَلَتِ العَرَبُ في دِينهِ أفواجاً، وأسْلَمَتْ هذه الأمَّةُ طَوعاً وكُرهاً، وكُنتم مِمَّن دَخَلَ في هذا الدِّينِ إمَّا رَغَبةً، وإمَّا رَهْبَةً، فلَيْس يَنْبَغي لَكُم أنْ تُنازِعُوا أهلَ السَّبقِ ومَنْ فازَ بالفَضلِ، فإنَّهُ مَن نازَعَهُ مِنكُم فبِحُوبٍ وظُلْمٍ، فلا يَنْبغي لِمَن كانَ لَهُ قلْبٌ أنْ يَجَهَلَ قدْرَهُ، ولا يَعْدُوَ طَوْرَهُ، ولا يُشْقِيَ نفسَهُ بالتماس ما لَيْسَ لَهُ.
إنَّ أوْلى النَّاسِ بِهذا الأمرِ قَديماً وحَدِيِثاً أقرَبُهُم بِرَسُولِ اللَّهِ 6، وأعلَمُهم بالكتابِ، وأقدَمُهم في الدِّينِ، وأفْضَلُهم جِهاداً، وأوَّلُهم إيماناً، وأشدُّهُم اضْطِلاعاً بما تَجْهَلُهُ الرَّعيَةُ مِن أمْرِها، فاتَّقوا اللَّهَ الَّذِي إليهِ تُرْجَعونَ، ولا تَلْبِسوا الحقَّ بالباطِلِ لتُدحِضوا بِهِ الحَقَّ.
واعلَموا أنَّ خِيارَ عِبادِ اللَّهِ الَّذِينَ يَعمَلونَ بما يعلَمونَ، وأنَّ شرَّهم الجُهَلاءُ الَّذين يُنازِعُونَ بالجَهلِ أهلَ العِلمِ.
ألا وإنِّي أدعُوكَ إلى كتابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نبيِّهِ 6، وحَقْنِ دِماءِ هذهِ الأمَّةِ، فإنْ قَبِلتُم أصَبْتُم رُشْدَكم، وهُدِيتُم لِحَظِّكُم، وإنْ أبَيْتُم إلَّاالفُرْقَةَ وشَقَّ عَصا هذهِ الأمَّةِ، لم تَزْدادوا مِنَ اللَّهِ إلَّابُعْداً، ولَم يَزْدَدْ عَليْكُم إلَّاسُخْطاً، والسَّلام».
قال فكتب إليه معاوية: