الجَحَافِل، وَمُبِيدُ خَضرَائِكُم، وَمُخمِّدُ ضَوضَائِكُم، وجَزّار الدَّوَارينَ، إذْ أنْتُم في بُيوتِكُم مُعْتَكِفونَ، وإنِّي لَصاحِبُكُم بالأَمسِ، لَعَمرُ أَبِي لَنْ تُحِبّوا أنْ تَكُونَ فيْنا الخلافَةُ وَالنُّبوَةُ، وَأَنتُم تَذكُرونَ أَحْقادَ بَدْرٍ، وثارَاتِ أُحُدٍ.
أمَا وَاللَّهِ، لَو قُلتُ ما سَبَقَ مِنَ اللَّهِ فِيكُم، لَتدَاخَلَت أَضلاعُكُم في أَجوَافِكُم كَتَداخُل أسْنان دِوَّارة الرَّحى، فإنْ نَطقتُ تَقُولُونَ: حَسَدَ، وإنْ سَكتُّ فَيُقالُ: إنَّ ابن أبي طَالِبٍ جَزعَ مِنَ المَوتِ، هَيْهَاتَ هَيْهاتَ!! السَّاعةَ يُقالُ لي هَذا؟!! وأنَا المُميت المائِت، وَخوَّاضِ المَنايَا في جَوْف لَيلٍ حَالِك، حَامِل السّيْفَينِ الثَّقيلَينِ، وَالرُّمْحَينِ الطَويلَيْنِ، وَمُنَكِّس الرَّايات في غَطْامِطِ الغَمَراتِ، وَمُفَرِّج الكُرُبات عن وَجْه خَيْرِ البَريَّات.
أيْهِنُوا! فوَ اللَّهِ، لَابنُ أبي طالب آنَسُ بالمَوْتِ من الطِّفل إلَى مَحالِبِ أُمِّه.
هَبَلَتكُم الهَوَابِلُ! لَوْ بُحتُ [1] بما أنَزلَ اللَّهُ سُبحانَهُ فِي كتابِهِ فِيْكُم، لَاضْطَرَبْتُم اضْطِرَابَ الأَرشِيَةِ في الطَّويّ البَعِيدةِ، وَلَخَرَجْتُم من بيُوتِكُم هَارِبِينَ، وَعَلَى وُجُوهِكُم هَائِمينَ، وَلَكِنِّي أُهَوِّنُ وَجدِي حتَّى ألْقى رَبِّي بيَدٍ جَذَّاءَ صَفراءَ مِن لَذَّاتِكُم، خِلوَاً مِن طَحَناتِكُم، فما مَثَل دُنياكُم عِنْدِي إلَّاكمَثَل غَيمٍ، عَلا فاسْتَعْلَى ثُمَّ اسْتَغلَظَ فاسْتَوى، ثُمَّ تَمزَّق فانْجَلَى، رُوَيداً! فَعَن قَلِيلٍ يَنْجَلِي لَكُم القَسَطلُ [2]، وتَجنُونَ (فتجدون) ثَمرَ فِعلِكُم مُرّاً، وَتَحصُدُونَ غَرسَ أيْدِيكُم ذُعَافاً [3] مُمقِراً[4]، وَسُمَّاً قَاتِلًا، وكفَى باللَّهِ حَكِيماً، وَبِرَسُولِ اللَّهِ خَصِيماً، وبالقِيامَةِ مَوْقِفاً، فَلا أبعَدَ اللَّهُ فيها سِوَاكُم، وَلا أتَّعسَ فيها غَيْرَكُم، وَالسَّلامُ على مَنِ اتَّبَعَ الهُدى [5]».
[1]. البَوح: ظهور الشيء، باح بالشيء: أظهره (لسان العرب: ج 2 ص 416).
[2]. القسطل: الغبار الساطع.
[3]. الذعاف: السمّ و طعامٌ مذعوف، أي سريع يعجَّل القتل (الصحاح: ج 4 ص 116).
[4]. الممقر: الشديد المرارة (لسان العرب: ج 5 ص 182).
[5]. الاحتجاج: ج 1 ص 243 ح 48 و راجع: بحار الأنوار: ج 29 ص 140.