سَبِيلِ اللَّه تَعَالَى مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، والأَنْصَارِ، ولِكُلٍّ فَضْلٌ حَتَّى إِذَا اسْتُشْهِدَ شَهِيدُنَا قِيلَ: سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ، وخَصَّهُ رَسُولُ اللَّه 6 بِسَبْعِينَ تَكْبِيرَةً عِنْدَ صَلاتِهِ عَلَيْهِ، أَ ولا تَرَى أَنَّ قَوْماً قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّه- ولِكُلٍّ فَضْلٌ- حَتَّى إِذَا فُعِلَ بِوَاحِدِنَا مَا فُعِلَ بِوَاحِدِهِمْ، قِيلَ: الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ وذُو الْجَنَاحَيْنِ، ولَوْلا مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ مِنْ تَزْكِيَةِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ لَذَكَرَ ذَاكِرٌ فَضَائِلَ جَمَّةً تَعْرِفُهَا قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، ولا تَمُجُّهَا آذَانُ السَّامِعِينَ، فَدَعْ عَنكَ مَنْ مَالَتْ بِهِ الرَّمِيَّةُ [1]، فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا، والنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا، لَمْ يَمْنَعْنَا قَدِيمُ عِزِّنَا، ولا عَادِيُّ طَوْلِنَا عَلَى قَوْمِكَ أَنْ خَلَطْنَاكُمْ بِأَنْفُسِنَا، فَنَكَحْنَا وأَنْكَحْنَا فِعْلَ الأَكْفَاءِ، ولَسْتُمْ هُنَاكَ، وأَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ، ومِنَّا النَّبِيُّ ومِنْكُمُ الْمُكَذِّبُ، ومِنَّا أَسَدُ اللَّه و مِنْكُمْ أَسَدُ الأَحْلافِ، ومِنَّا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ومِنْكُمْ صِبْيَةُ النَّارِ، ومِنَّا خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، ومِنْكُمْ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ فِي كَثِيرٍ مِمَّا لَنَا وعَلَيْكُمْ.
فَإِسْلامُنَا قَدْ سُمِعَ، وجَاهِلِيَّتُنَا لا تُدْفَعُ، وكِتَابُ اللَّه يَجْمَعُ لَنَا مَا شَذَّ عَنَّا، وهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: «وَأُوْلُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَبِ اللَّهِ» [2].
وقَوْلُهُ تَعَالَى: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِىُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَاللَّهُ وَلِىُّ الْمُؤْمِنِينَ» [3]، فَنَحْنُ مَرَّةً أَوْلَى بِالْقَرَابَةِ، وتَارَةً أَوْلَى بِالطَّاعَةِ، ولَمَّا احْتَجَّ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى الأَنْصَارِ يَوْمَ السَّقِيفَةِ بِرَسُولِ اللَّه 6 فَلَجُوا عَلَيْهِمْ، فَإِنْ يَكُنِ الْفَلَجُ بِهِ، فَالْحَقُّ لَنَا دُونَكُمْ، وإِنْ يَكُنْ بِغَيْرِهِ فَالأَنْصَارُ عَلَى دَعْوَاهُمْ.
وزَعَمْتَ أَنِّي لِكُلِّ الْخُلَفَاءِ حَسَدْتُ، وعَلَى كُلِّهِمْ بَغَيْتُ، فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَيْسَتِ الْجِنَايَةُ عَلَيْكَ، فَيَكُونَ الْعُذْرُ إِلَيْكَ. وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا.
[1] الرَّمِيَّة: الصيد الذي ترميهِ فتقصِده، فينفذُ فيه سَهمُكَ. (النهاية: ج 2 ص 268 «رمى»).
[2] الأحزاب: 6.
[3] آل عمران: 68.