فقال إبراهيم: فحدّثنا يَحْيَى بن صالح، فقال حدّثنا مالك بن خالد الأسديّ، عن الحسن بن إبراهيم، عن عبد اللَّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب 7، عن عباية. أنَّ عليّا- 7- كتب إلى مُحَمَّد بن أبي بَكر و أهل مصر:
«أمَّا بَعدُ؛ فإنّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ في سِرِّ أَمْرِكَ وعَلانِيَّتِهِ وعلَى أيِّ حالٍ كُنْتَ عَلَيها، واعلَمْ أنَّ الدُّنيا دارُ بلاءٍ وفَناءٍ، والآخرةَ دارُ بقاءٍ وجَزاءٍ؛ فَإنِ استَطَعْتَ أنْ تُؤْثِرَ ما يَبْقَى علَى ما يَفْنَى فافْعَلْ، فإنَّ الآخِرَةَ تَبقَى وإنَّ الدُّنيا تَفْنَى، رَزَقَنا اللَّهُ وإيَّاكَ بَصَراً لِما بَصَّرَنا، وفهماً لمِا فَهَّمَنا حَتَّى لا نُقَصِّر عَمَّا أمرَنا بِهِ، ولا نَتَعدَّى إلى ما نَهانا عَنْهُ، فإنَّه لابُدَّ لَكَ مِن نَصيبِكَ مِنَ الدُّنيا وأنْتَ إلى نَصِيبِكَ مِنَ الآخِرَةِ أحوجُ، فإنْ عَرَضَ لكَ أمران: أحدُهُما لِلآخِرَةِ والآخَرُ للدُّنيا فابْدَأ بِأَمرِ الآخِرَةِ، ولْتَعظُمْ رَغْبَتُكَ في الخيرِ، ولتَحسُن فيهِ نِيَّتُكَ، فإنَّ اللَّهَ عز و جل يُعطِي العبدَ علَى قَدْرِ نِيَّتِهِ، وإذا أحَبَّ الخيرَ وأهلَهُ ولَم يَعمَلْهُ كانَ إنْ شاءَ اللَّهُ كَمَنْ عَمِلَهُ، فإنَّ رَسُولَ اللَّهِ 6 فقالَ حِينَ رَجَعَ مِن تَبُوك: لَقدْ كانَ بالمَدِينَةِ أقوامٌ ما سِرْتُم مِن مَسيرٍ ولا هَبَطْتُم مِنْ وادٍ إلَّا كانُوا مَعَكُم، ما حَبَسَهُم إلَّاالمَرَضُ، يقول: كانَتْ لَهُم نِيَّةٌ.
ثُمَّ اعلَمْ يا مُحَمّدُ، أنِّي ولَّيتُكَ أعظَمَ أجنادِي في نَفسِي أهلَ مِصرَ، وإذْ وَلَّيتُكَ ما وَلَّيتُكَ مِن أمْرِ النَّاسِ، فأنْتَ مَحقُوقٌ أنْ تَخافَ فِيهِ علَى نَفْسِكَ وَتحذَرَ فيهِ علَى دِينِكَ ولَو كانَ ساعَةً مِن نَهارٍ، فإنِ استَطَعتَ أنْ لا تُسخِطَ فيها رَبَّكَ لِرِضى أحَدٍ مِن خَلقِهِ فافعَلْ، فَإنَّ في اللَّهِ خَلَفاً مِن غَيرِهِ ولَيسَ في شيءٍ غَيرِهِ خَلَفٌ مِنهُ، فاشتدَّ على الظَّالِمِ، وَلِنْ لِأهْلِ الخَيرِ وَقرِّبهُم إليكَ واجعَلهُم بِطانَتَكَ وإخوانَكَ، والسَّلامُ».