في هذه المرّة، لم تكن حرب النَّهروان، و لكان أمير المؤمنين 7 ينهض بهم إلى معاوية، و يملك الشَّام؛ فإنّه (صلوات الله عليه) حاول أن يسلك معهم مسلك التَّعريض و المواربة [1].
و في المثل النَّبويّ صلوات اللَّه على قائله:
الحربُ خُدعَةٌ
، و ذاك أنّهم قالوا له:
تُبْ إلى اللَّه ممّا فعلت كما تُبنا ننهض معك إلى حرب أهل الشَّام، فقال لهم كلمة مجملة مرسلة يقولها الأنبياء و المعصومون، و هي قوله: أستغفر اللَّه من كلّ ذنب، فرضوا بها، و عدّوها إجابة لهم إلى سؤلهم، و صفَتْ له 7 نيّاتهم، و استخلص بها ضمائرهم، من غير أن تتضمّن تلك الكلمة اعترافاً بكفر أو ذنب.
فلم يتركه الأشْعَث، و جاء إليه مستفسراً و كاشفاً عن الحال، و هاتكاً ستر التّورية و الكناية، و مخرجاً لها من ظلمة الإجمال و ستر الحيلة إلى تفسيرها بما يُفسد التَّدبير، و يُوغِر الصُّدور، و يُعيد الفتنة، و لم يستفسره 7 عنها إلّا بحضور من لا يمكنه أن يجعلها معه هُدْنة على دَخَن [2]، و لا ترقيقاً عن صَبوح [3]، و ألجأه بتضييق الخناق عليه إلى أن يكشف ما في نفسه، و لا يترك الكلمة على احتمالها، و لا يطويها على غَرّها [4]، فخطب بما صدع به عن صورة ما عنده مجاهرة،
[1] المواربة: المداهاة و المخاتَلة، و التوريب: أن تُوَرِّي عن الشَّيء بالمُعارَضات و المباحات (لسان العرب: ج 1 ص 796).
[2] الهُدْنة: اللِّين و السُّكون، و منه قيل للمصالحة: المهادنة؛ لأنّها ملاينة أحد الفريقين. و الدَّخَن: تَغَيُّر الطعام من الدُّخان (مجمع الأمثال: ج 3 ص 460 الرقم 4464).
[3] أصل المثل: «عن صَبُوحٍ تُرَقَّق» الصبوح: ما يُشرب صَباحاً، و ترقيق الكلام: تزيينه و تحسينه. يُضرَب لمن كَنَى عن شيء و هو يريد غيره (مجمع الأمثال: ج 2 ص 348 الرقم 2451).
(4) أصل المثل: طَوَيتُه على غَرّهِ، غَرُّ الثوب: أثَر تكسُّره، يُضرَب لمن يؤكَل إلى رأيه (مجمع الأمثال: ج 2 ص 290 الرقم 2298).