رسالة حول فقرة من مناظرة الرضا عليه السلام مع الزنديق
بسم اللَّه الرحمن
الرحيم
بعد الحمد والصلاة روى
الكليني- روّح اللَّه روحه- في ثالث أوّل كتاب التوحيد في حديث طويل ما جرى بين
أبي الحسن موسى عليه السلام والزنديق، وفيه ما هذا لفظه:
(فقال الرجل: فإذاً إنّه
لا شيء إذا لم يُدْرَكْ بحاسّةٍ من الحواسّ).
فقال أبو الحسن عليه
السلام: «وَيْلك، لمّا عجزَتْ حواسُّك عن إدراكه أنكرتَ ربوبيّته، ونحن إذا عجزَتْ
حواسُّنا عن إدراكه أيقَنّا أنّه ربّنا بخلاف شيء من الأشياء» الحديث[1].
وهذا الكلام من مطارح
أنظار الأعلام، نبتدئ بنقل ما أفاده الاستاذ المحقّق الشارح قدس سره في الشافي،
وتوضيح ما أجمله حسبما يخطر بالخاطر القاصر، ثمّ ننقل ما استفاده غيره وما التبس
منه علينا أمره؛ استيضاحاً للصواب، لا قدحاً فيما ذكره الأصحاب، طوبى لهم وحسن
مآب.
قال الشارح قدس سره بعد
قوله: «أيقنّا أنّه ربّنا»:
حاصله منع أنّه إذا لم
يدرك بحاسّة كان لا شيئاً البتّة، أو منع دلالة عدم الإدراك بحاسّة على كونه لا
شيئاً مستنداً بأنّ لازم أحد النقيضين أو شرَطه يستحيل أن يكون ملزوماً أو دليلًا
على الآخر، وعدم الإدراك بحاسّة لازم للربوبيّة وشرط لليقين بالربوبيّة، وليس
مقصوده عليه السلام أنّ عدم الإدراك بالحواسّ دليل على الصانعيّة.
ولايخفى أنّ هذا صريح في
أنّه لا مجرّد سوى اللَّه، فيبطل قول الزنادقة بتجرّد العقول العشرة والنفوس
الناطقة. «بخلاف شيء من الأشياء» خبر آخر لأنّ، أو
[1]. الكافي، ج 1، ص 78، باب حدوث العالم وإثبات
المحدث، ح 3.