الحمد للَّهربّ
العالمين، وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين.
فإن قال قائل: أيّها
السالكون في طرق الأعمال بدلالة الحديث، والجاعلون بناءَ اموركم على أساس
التثليث-: «حلال بيّن، وحرام بيّن، وشبهات بين ذلك»[1]- هل بلغكم لها حقيقة شرعيّة، أم
تحكمون فيه بحقيقة لغويّة أو عرفيّة، أو بأمارات قطعيّة أو ظنّية؟ فإن كان لها
حقائق شرعيّة فبيّنوا لنا ولا نزاع، وإلّا فكيف تحكمون بأنّ كلّ ما لا نصّ فيه،
وكلّ ما ليس بحلال وحرام بيِّن فهو شبهة، مع أنّ الشارع قال: «وشبهات بين ذلك» ولم
يقل: كلّ ما كان بين ذلك فهو شبهة؟
ولمّا كان جميع أعمالكم
مقصوراً على الخبر، وتقتفون أبداً آثار النصّ والأثر ظنّاً منكم الحديث الشرعي
بأنّ الشبهة ما هي، وقد قال الشارع: «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي»[2].
نعم، ورد النهي بطريق
العموم عن ارتكاب الشبهات، لكن ليس نصّاً في العموم، بل يحتمل عموم الأنواع لا
الأجناس، فعلى هذا الحكمُ بطريق العموم في غاية الإشكال، ولا يتمّ في نفس الأمر
الاستدلال؛ لقيام الاحتمال، ففي كلّ موضع قال الشارع: هذا مشتبه، وهذا شبهة- كما
في تعارض الدليلين وأمثاله- توقّفنا فيه واحتطنا،
[1]. الكافي، ج 1، ص 67، باب اختلاف الحديث، ضمن ح
10؛ الفقيه، ج 3، ص 8، ح 3233؛ و ج 4، ص 75، ح 5149؛ تهذيب الأحكام، ج 6، ص 301، ح
52؛ وسائل الشيعة، ج 27، ص 157، ح 33472.
[2]. الفقيه، ج 1، ص 317، ح 937؛ وسائل الشيعة، ج
6، ص 289، ح 7997؛ و ج 27، ص 173، ح 33530.