حتى إذا اقتربت إليه غادةٌ
حسناءُ تضرمُ في الدِماءِ حَريقا
الصُبحُ في وَجناتَها مُتورّدٌ
ومن الفضاءِ النورُ يشكو ضيقا
فترنّحت بالوجد تَعتصرُ المُنى
لتصبَّ قلباً في الغرام أُريقا
قالتْ وقدْ فاحَ العبيرُ بصوتها
والثغرُ نثَّ أقاحياً وشقيقا :
« هلاّ نزلت إلى فؤادي مَرّةً
وهل ارتشفت رضابَهُ والريقا »
« إنّي أمدُّ يداً لقد ذابت لها
كلُّ القلوبِ ومُزّقتْ تمزيقا »
فهل ارتضيتَ بأن أكون عقيلةً
لأصونَ من غيظي الدّمَ المحروقا ؟!
فأجاب :مَنْ هذي التي دَوّت بنا
وَمَضَتْ إلى النجوى تَشقُّ طَريقا ؟!
قالت : أنا « الدُنيا » وهذي نِعمتي
تجني الثمارَ أساوراً وعقيقا
فأجابها والحلمُ يمتشق السنا
ويمدُّ صوتاً في الوجود طليقا :
« حَرُمَتْ على الأبناء من قد طُلّقَتْ
وأبوهُمُ مَنْ أَوقعَ التطليقا »
« وأبي لقد حَفِظَ الزّمانُ طَلاقهُ
لكِ في صَميمِ الخالداتِ بريقا »
* * *
الليلُ يسمعُ ما يدورُ بقلبه
فيعدُّ دقّاتٍ له وشهيقا
ويعدُّ ليلته ـ وقد ماست به ـ
أملاً يَموتُ وعالماً مَسروقا
هي آخرُ العنقودِ يدري أنها
تلِدُ الصباحَ وضوءَه المخنوقا
فلتستعدّي يا نجومُ وتخمدي
فجراً تخطّى نحونا وشروقا
طولي فقد شدَّ الرحيلُ رِكابَهُ
وبه تهجّى الضارعُ التفريقا