اسم الکتاب : حياة امام محمد الجواد عليه السلام المؤلف : باقر شريف القرشي الجزء : 1 صفحة : 229
يستقبلن أبا جعفر
إذا قعد في موضع الأخيار ، فلم يلتفت إليهنّ ، وكان هناك رجل يقال له مخارق ، صاحب
صوت وعود ، وضرب ، طويل اللحية فدعاه المأمون ، فقال : يا أمير المؤمنين إن كان شيء
من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره ، فقعد بين يدي أبي جعفر عليهالسلام فشهق مخارق شهقة اجتمع عليه أهل الدار
، وجعل يضرب بعوده ، ويغنّي ، فلمّا فعل ساعة وإذا أبو جعفر لا يلتفت إليه يميناً
ولا شمالاً ، ثمّ رفع إليه رأسه ، وقال : اتّق الله يا ذا العثنون [١] قال : فسقط المضراب من يده والعود ،
فلم ينتفع بيديه إلى أن مات ، فسأله المأمون عن حاله قال : لمّا صاح بي أبو جعفر
فزعت فزعة لا أُفيق منها أبداً [٢].
وكشفت هذه الرواية عن محاولات المأمون
لجرّ الإمام عليهالسلام إلى ميادين
اللهو ، فقد عرض له جميع ألوان المغريات ، وكان الإمام آنذاك في ريعان الشباب ،
فاعتصم عليهالسلام بطاقاته
الروحية الهائلة ، وامتنع عمّا حرّمه الله عليه ، وقد أفسد عليهالسلام بذلك مخطّطات المأمون الرامية إلى
إبطال ما تذهب إليه الشيعة من عصمة أئمتهم ، وكانت هذه الجهة ـ فيما نحسب ـ هي
السبب في إضفاء لقب التقي عليه لأنّه اتّقى الله في أشدّ الأدوار ، وأكثرها صعوبة
، فوقاه الله شرّ المأمون [٣].
فزع العبّاسيّين :
وفزع العباسيون كأشدّ ما يكون الفزع
حينما علموا أنّ المأمون قد عزم على مصاهرة الإمام الجواد عليهالسلام فعقدوا اجتماعاً حضره كبارهم وذوو
الرأي والمشهورة منهم ، وعرضوا فيما بينهم خطورة الأمر ، وما قد ينتهي إليه من نقل
الخلافة والملك
[١] العثنون :
اللحية ، أو ما فضل منها بعد العارضين أو طولها.