الجيش الجرار إنما
توجّه بقصده الى ( علي بن الحسين ) لا ليحترمه طبعا!
فعلي بن الحسين ، في نظر الناس ، لا
يزال عدوّا للدولة ، رغم انعزاله ، وابتعاده ، وعدم تورّطه في الحركة!
كما يدلّ قول البلاذري أن علي بن الحسين
عليهالسلام استجار
بمروان وابنه عبدالملك ، فأتيا به ليطلبا له الأمان [١] على أن الإمام عليهالسلام كان يخشى من فتك مسرف بن عقبة.
لكن الدولة ، التي لم تغفل عن الإمام
السجاد عليهالسلام كانت على
علم بتصرفاته ، ولم يقع لها ما يبرّر اتهامه وصبّ جام الغضب عليه والفتك به.
ومن أجل
امتصاص النقمة ، وخاصة بعد تحرّك أهل المدينة ، صار رجال الدولة الى النفاق ،
لتغطية جرائمهم تجاه أهل البيت وتجاه المدينة وأهلها ، فأخذوا يعلنون التزلّف الى
الإمام عليهالسلام بإظهار
التودّد إليه ، ويكرمونه ، ويقرّبونه ، ويعبّرون عنه بـ « الخير الذي لا شرّ فيه
، مع موضعه من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومكانه منه
» [٢].
وقال المسعودي : ونظر الناس الى علي بن
الحسين السجاد ، وقد لاذ بالقبر وهو يدعو ، فأتي به الى مسرف ، وهو مغتاظ عليه ،
فتبرّأ منه ومن آبائه ، فلمّا رآه وقد أشرف عليه ارتعد ، وقام له ، وأقعده الى
جانبه ، وقال له : سلني حوائجك ، فلم يسأله في أحد ممن قدّم الى السيف ألاّ شفّعه
فيه ، ثم انصرف عنه.
فقيل لعلي : رأيناك تحرّك شفتيك ، فما
الذي قلت؟
قال : قلت : اللهم رب السماوات
السبع وما أظللن ، والأرضين وما أقللن ، رب العرش العظيم ، رب محمد وآله الطاهرين
، أعوذ بك من شرّه ، وأدرأ بك في نحره ، أسألك أن تؤتيني خيره ، وتكفيني شرّه.
وقيل لمسلم : رأيناك تسبّ هذا
الغلام وسلفه ، فلّما اُتي به إليك رفعت منزلته!؟
فقال : ما كان ذلك لرأي منّي ، لقد مليء
قلبي منه رعبا [٣].
وهكذا يفرض عنصر ( الغيب ) نفسه في
البحث ، ولا يمكن إبعاده لكونه واردا في المصادر المعتمدة.