ولعلّ اشتراط الخروج والدعوت الذي يظهر
من كلمات الزيدية ، يراد كونه شرطا لتعريف الأمّة بالإمام ، والإعلان عن بدء حركته
الجهاديّة ، لا شرطا في الإمامة وثبوتها للإمام ، وبهذا يقترب المذهبان.
ولنختم هذا البحث بكلام واحد من كبار
علمائنا الذين عاشوا في القرن الرابع الهجريّ ، وهو الشيخ المحدّث الحافظ ،
المتكلّم ، الفقيه ، أبو القاسم ، علي بن محمد بن علي الخزّاز القمي ، الذي قال في
كتابه القيّم « كفاية الأثر في النصّ على الأئمة الاثني عشر » بعدما أورد النصوص
المتضافرة على إمامتهم عليهمالسلام
ما نصّه :
فإن
قال قائل : فزيد بن علي ، إذا سمع هذه الأخبار ،
وهذه الأحاديث من ثقات المعصومين ، وآمن بها ، واعتقدها ، فلماذا خرج بالسيف؟
وادّعى الإمامة لنفسه؟ وأظهر الخلاف على جعفر بن محمد؟ وهو بالمحلّ الشريف الجليل
، معروف بالستر والصلاح ، مشهور ـ عند الخاص والعام ـ بالعلم والزهد؟ وهذا ما لا
يفعله إلاّ معاند أو جاحد ، وحاشا زيدا أن يكون بهذا المحلّ.
فأقول في ذلك ، وبالله
التوفيق :
إن زيد بن علي عليهالسلام خرج على سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر ، لا على سبيل المخالفة لابن أخيه جعفر بن محمد عليهماالسلام.
وإنما وقع الخلاف من جهة الناس ، وذلك
أنّ زيد بن علي عليهالسلام
لمّا خرج ، ولم يخرج جعفر بن محمد عليهماالسلام
توهّم قوم من الشيعة أنّ امتناع جعفر كان للمخالفة!
وإنما كان لضرب من التدبير.
فلمّا رأى الذين صاروا للزيدية سلفا
قالوا : ليس الإمام « من جلس في بيته وأغلق بابه وأرخى ستره » وإنّما الإمام « من
خرج بسيفه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ».
فهذا كان سبب وقوع الخلاف بين الشيعة ،
وأما جعفر وزيد عليهماالسلام
، فما كان بينهما خلاف [١].
__________________
(١) كفاية الأثر للخزّاز ( ص
٣٠٠ ـ ٣٠٢ ) وانظر ثورة زيد بن علي ( ص ١٤٠ ـ ١٤٧ ).