كان الإمام زين العابدين عليهالسلام يخطو نحو أهدافه بحذر تام ، ووعي كامل
، لا يثير انتباه الحكّام والولاة المغرورين ، كي لا يقضوا على حركته وهي في
المهد.
فهم ، بانهماكهم في ترفهم واغترارهم
بقدراتهم ، كانوا بعيدين عن الأجواء التي يصنعها الإمام عليهالسلام ، فكانوا يعدّون مواقفه شخصيّة خاصة
وفرديّة ، بل يستوحون منها الانصراف عن التصدّي لأي نشاط سياسيّ.
فلذلك لم يظهر الإمام انتماءا الى أية
حركة معارضة للدولة ، ولم يسمح لها أن تتصل بالإمام ، سواء الحركات المتحبّبة إليه
، كحركة التوّابين وحركة المختار ، أو الحركات المحايدة كحركة أهل الحرّة ، أم
المعادية له كحركة ابن الزبير في مكة والعراق!
لكن الآثار تشير إلى أن الإمام عليهالسلام لم يكن في معزل عن تلك الحركات ، سلبا
أو إيجابا ، حسب قربها أو بعدها عن الأهداف الأساسية التي كان الإمام وراء تحقيقها
وتثبيتها.
فهو من جهة كان يركّز على خططه العميقة
والواسعة ، بالشكل الذي يغرّر بالحكّام الأمويين بصحّة تصورّاتهم عن شغله وشخصه ،
حتى أعلنوا عنه أنه « الخير
».
ولعلّ رجال
الدولة كانوا في رغبة شديدة في الاحتفاظ بهذا التصوّر ، حتى لا يتورّطوا مع آل أبي
طالب بأكثر ممّا سبق ، وليتفرّغوا لغير الإمام زين العابدين عليهالسلام ممّن اعلن الثورة والمعارضة لهم كابن
الزبير ، فلذا نشروا هذا المعنى في علمية تحريف ، ليدفعوا مجموعة من الناس للمشي
بسيرة الإمام عليهالسلام.
وقد وقف كتاب
من مؤرخي عصرنا الحاضر على هذه الأثار ، فأعلنوا : « أنّ الإمام عليهالسلام تبنّى مسلكا ، يرفض فيه كلّ تحرك مناهض
للسلطة ، ويبتعد عن كلّ نشاط معاد لها » [١].
مع أن الإمام زين العابدين عليهالسلام كان يهدف من خلال مواقفه ـ حتى
العبادية
__________________
(١) الإمام السجاد عليهالسلام لحسين باقر ( ص ٩٨ ).