وبينما يعدّ
الطغاة ظاهرة البكاء دليلا على العجز والضعف والانكسار والمغلوبيّة ، فهم يكفّون
اليد عن الباكي ، لكون بكائه علامة لاندحاره أمام القوّة ، وعلامة الاستسلام
للواقع ، نجد عامة الناس ، يبدون اهتماما بليغا لهذه الظاهرة ، تستتبع عطفهم ،
وتستدرّ تجاوبهم الى حدّ ما ، وأقلّ ما يبدونه هو نشدانهم عن أسباب البكاء؟
وتزداد كلّ هذه
الأمور شدّة إذا كان الباكي رجلا شريفا معروفا! وبالأخص إذا كان يفيض الدمعة
بغزارة فائقة ، وباستمرار لا ينقطع! كما كان من الإمام زين العابدين عليهالسلام ، حتى عدّ في البكّائين ، وكان خامسهم
بعد آدم ، ويعقوب ، ويوسف ، وجدّته فاطمة الزهراء [١].
إن البكاء على شهداء كربلاء ، وثورتها ،
لم يكن في وقت من الأوقات أمر حزن ناتج من إحساس بالضعف والانكسار ، ولا عبرة يأس
وقنوط ، لأن تلك الأحداث ، بظروفها ومآسيها قد مضت ، وتغيّرت ، وذهب أهلوها ، وعرف
حقّها من باطلها ، وأصبحت للمقتولين كرامة وخلودا ، وللقاتلين لعنة ونقمة ، لكنّ البكاء
عليهم وعلى قضيّتهم ، كان أمر عبرة وإثارة واستمداد من مفجّرها ، وصانع معجزتها ،
وحزنا على عرقلة أهدافها المستلهمة من ثورة الإسلام التي قام بها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
والدليل على
كل ذلك أن لكلّ حزن أمدا ، يبدأ من حين المصيبة الى فترة طالت أو قصرت ، وينتهي
ولو بعد جيل من الناس.
أما قبل حدوث المصيبة ، فلم يؤثر في
المعتاد ، أو المعقول للناس ، أن يبكوا لشيء.
لكن قضيّة الحسين أبي عبدالله عليهالسلام ، قد أقيمت الأحزان عليها قبل وقوعها
بأكثر من نصف قرن ، واستمرّ الحزن عليه الى الأبد ، فهي الى القيامة باقية.
والذين أثاروا
هذا الحزن ، قبل كربلاء ، وأقاموا المآتم بعد كربلاء : هم الأئمة من أهل البيت عليهمالسلام.
فمنذ ولد الحسين عليهالسلام أقام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مآتم على سبطه الوليد ذلك اليوم ،
الشهيد بعد غد.