أطباق النار، و جعلهم ضرام وقودها، و طعام حديدها، و أفراط
جنودها، فلقد حقّت عليهم كلمة العذاب بخذلانهم إيّاك، و نكصوا على الأعقاب إذ
استبدلوا بك سواك.
فأبعد بالكوفة و
ساكنيها، و أهاليها و قاطنيها، فليست واقعتك بأعظم من واقعة عمّك و قتله في
محرابه، و لا خذلك بأعظم من خذل الزكيّ و غدر أصحابه، و لا نقض عهدك بأقبح من نقض
عهد المقتول بين خاصّتهم و عامّتهم، و لا خفر ذمّتك بأشنع من خفر ذمّة المصلوب
بكناستهم.
فلقد غدروا بعد مواثيقهم
و أيمانهم، و كفروا بعد تظاهرهم بإيمانهم، فحرمهم اللّه ريح الجنّة، و طوّقهم أطواق
اللعنة، و رمى مصرهم بالذلّ الشامل، و الخزي الكامل، و السيف القاطع، و العذاب
الواقع، ليس له من اللّه من دافع[1]، حتى صارت
حصيدا كأن لم تغن بالأمس[2]، و براحا
خالية من الإنس، للبوم في أرجائها تغريد، و للوحش في عراصها تطريد، و أهلها عباديد[3] في الأقطار،
و متفرّقون في الأمصار، قد أذاقهم اللّه الخزي في الحياة الدنيا و لهم في الآخرة
عذاب النار.
لمّا خذلوا الحقّ و
أهله، و استرهبوا الجهاد و فضله، و آثروا الدعة و الراحة، و استشعروا السفاهة و
الوقاحة، سلّط اللّه عليهم شرّ خليقته، و أدنى بريّته، نجل سميّة الزانية، و زعيم
العصابة الباغية، ثمّ قفّاه بالخصيم الألدّ، و الكفور الأشدّ، الغيّ يظلّه عن
التعريف، ألأم نغل من ثقيف، الذّيال الميّال،