و في حديث وهب بن
منبّه][1] أنّ نوحا
عليه السلام دعا قومه إلى اللّه حتى انقرضت ثلاثة قرون منهم، كلّ قرن ثلاثمائة سنة
يدعوهم سرّا و جهرا فلا يزدادون إلّا طغيانا، و لا يأتي منهم قرن إلّا كان أعتى
على اللّه من الّذين من قبلهم، و كان الرجل منهم يأتي بابنه و هو صغير فيقيمه على
رأس نوح فيقول: يا بنيّ، إن بقيت بعدي فلا تطيعنّ هذا المجنون.
و كانوا يثورون إلى نوح
فيضربونه حتى يسيل مسامعه دما، و حتى لا يعقل شيئا ممّا يصنع به فيحمل و يرمى
[به][2] في بيت أو
على باب داره مغشيّا عليه، فأوحى اللّه تعالى إليه: (أَنَّهُ لَنْ
يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ)[3]، فعندها أقبل بالدعاء
عليهم و لم يكن دعا عليهم قبل ذلك فقال: (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ
الْكافِرِينَ دَيَّاراً)[4] إلى آخر
السورة.
فأعقم اللّه تعالى أصلاب
الرجال و أرحام النساء فلبثوا أربعين سنة لا يولد لهم [ولد][5]، و قحطوا في تلك الأربعين سنة حتى
هلكت أموالهم و أصابهم الجاهد و البلاء، فقال لهم نوح: (اسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً)[6] فأعذر إليهم و
أنذر فلم يزدادوا إلّا كفرا، فلمّا يئس منهم أقصر عن كلامهم و دعا عليهم حتى
أغرقهم اللّه سبحانه[7].