معين، و سلكوا مفاوز البرزخ إلى الدار الباقية، فكشفوا حجب
غيوبه لأهل الحياة الفانية، و حذّرهم ما يلقون في سلوكهم- بعد مماتهم- إلى دار
قرارهم، و أراهم عواقب امورهم بعد الاخراج من ديارهم، و أمرهم باتّخاذ الزاد
البعيد لسفرهم، و حسن الارتياد قبل انقطاع عذرهم، ما وهنوا في سبيل ربّهم، و ما
ضعفوا و ما استكانوا بل أيّدوا الحقّ و أهله، و نصروا و أعانوا و جاهدوا في اللّه
بأيديهم و ألسنتهم، و نصحوا في سبيل اللّه في سرّهم و علانيتهم، و كان أفضل سابق
في حلبة الاخلاص لربّه، و أكمل داع دعا إلى اللّه بقالبه و قلبه، و خير مبعوث بدأ
اللّه به و ختم، و أجمل مبعوث بالمجد الأعبل و الشرف الأقدم، كم تلقّى صفاح
الأعداء بطلعته الشريفة؟! و كم قابل رماح الأشقياء ببهجته المنيفة؟! صاحب بدر
الصغرى و الكبرى، و سيّد أهل الدنيا و الاخرى، الّذي لم يجاهد أحد في احد جهاده، و
لا جالد جليد في حنين جلاده[1]، أشجع الخلق
بالحقّ، و أصدع الرسل بالصدق.
تاج رسالته: (سُبْحانَ الَّذِي
أَسْرى)[2]، و توقيع
نبوّته: (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى)[3]، و دلالة محبّته: (ما
وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلى)[4]، و آية بعثه:
(ما كَذَبَ الْفُؤادُ
ما رَأى)[5]، كلّ من
الأنبياء مقدّمة جنده، و كلّ من الأولياء أخذ الميثاق على من بعده بوفاء عهده، في
صحف الخليل ذكره أشهر من أن يشهر، و في توراة الكليم فضله من فلق الصبح أظهر، و
المسيح في إنجيله دعا إليه و بشّر، و صاحب الزبور لمّا دعا باسمه أظهره اللّه على
جالوت و نصره أعني