اسم الکتاب : الامام علي عليه السلام سيرته وقيادته في ضوء المنهج التحليلي المؤلف : الصّغير، محمد حسين علي الجزء : 1 صفحة : 16
صبيا ، وتلك إحدى
كراماته في الأقل ، واحتضنه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
احتضان الأخ الشقيق لأخيه ، وأقام على تربيته أولا بأول ، فقد ربيّ ـ إذن ـ في حجر
الإسلام ، ورضع من ثدي الإيمان ثاني أثنين هو وخديجة بنت خويلد زوج النبي وأم
المؤمنين ، ولم يسجد لصنم قط شأن أترابه ، ولم يألف حياة الأصنام كما ألفها سواه ،
فقيل : كرّم الله وجهه ، وهذه كرامة أخرى تضاف الى كرامات سبقت ، وفضائل تقدمت منذ
قليل : ولادته في الكعبة ، ونشأته في حجر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
، وقبول إسلامه مبكرا « فامتاز بين السسابقين الأولين بأنه نشأ نشأة إسلامية خالصة
، وامتاز كذلك بأنه نشأ في منزل الوحي بأدق معاني هذه الكلمة وأضيقها » [١].
وكان عليّ في أول عهده بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يتلبث هذا التأمل الدائم في تفكير محمد
صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويترصد
هذه الخلوة الروحية لديه ، وهو يقلب وجهه في السماء ، ويتجه بضميره لله في حالة من
الخشوع والترقب والابتهال ، حتى إذا فجأه الوحي ، وعى من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هذا الانقطاع الكلي الى ما يوحى إليه ،
وتبصّر في هذا التلاحم ـ الغريب على حياة العرب ـ بينه وبين الله تعالى ، وإذا
بنفسه تمتلأ غبطة بما يشاهد ، وإذا بالرؤى تزدحم عليه فيما يجد ، حياة روحية
خالصة.
والاندماج متواصل مع الوحي ، ومناخ جديد
يربط الأرض بالسماء ، فمحمد يتلقى من السماء ما يبلغه الى الأرض بكل أمانة ،
والسماء تمدّه بأنبائها ، والأرض ـ بعد ـ ساكنة لم تتحرك ، والحياة هادئة لم تضطرب
، ماذا عسى أن يكون بعد هذا الهدوء ، وما عسى أن ينفجر بعد ذلك السكون ، ذلك ما
يحدده مستقبل الرسالة. وعليّ عليهالسلام
يلمح هذا بعين الناقد البصير ، ويفقهه الفقه كله ، تصل إليه هذه النفحات ،