اسم الکتاب : نظريّة النقد العربي رؤية قرآنيّة معاصرة المؤلف : الصّغير، محمد حسين علي الجزء : 1 صفحة : 38
بالنظم ، ولا نظم في
الكلم وترتيب حتى يعلق بعضها ببعض ، ويبنى بعضها على بعض ، وتجعل هذه بسبب من تلك
» [١].
ويعود عبد القاهر بالنظم إلى أصل قائم
على أساس من علم النحو ، وطبيعي أن النحو يعني ببناء الكلمة وإعرابها ، ومعرفة هذه
الصيغة ـ وإن كانت منصبة على اللفظ ـ فإنها ترتبط بمعنى اللفظ في وضعه بمكانه من
المعنى المراد ، لأن المعاني لا يحل إبهامها ما لم يقصد إليها من خلال الألفاظ ،
والألفاظ لا يفهم مؤداها مالم تضبط صياغة وتصريفاً ونحواً بناء وإعراباً على حد
سواء ، وهما متعاونان معاً على كشف العلاقة التي عبر عنها بالنظم و « ليس النظم
إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه على النحو ، وتعمل على قوانينه وأصوله ، وتعرف
منهاجه التي نهجت فلا تزيغ عنها ، وتحفظ الرسوم التي رسمت لك فلا تخل بشيء » [٢] متخذاً بالإضافة إلى هذا التشبيه
والمجاز والاستعارة مضماراً لشرح آرائه ، وميداناً لاستدراكاته على أصحاب اللفظ ،
وأن النظر إلى هذه المقومات اللفظية بأقسامها وأنواعها لا يعود لألفاظها فحسب ،
وإنما للمعاني وما تضفيه على الألفاظ مما يكون حسن النظام وجوده التأليف ، وهو
العلاقة المترتبة على فهم القسيمين اللفظ والمعنى [٣].
وحقاً إنك لتجد عبد لقاهر قوي الحجة ،
عجيب المناظرة ، في جولته النقدية هذه ، فلا تكاد تنتهي من فصل سفرية حتى تقع في
فصل مثله ، يزيدك سخرية بأولئك جرحاً وتقويماً ، وإرجاعاً بآرائهم إلى ما اعتادوه
دون روية وتمييز من شغف بالبديع وتعلق بالصناعة ، حتى ليصعب فهم ما يقصدون من
الكلام ، فالسامع يخبط في عشواء ، من كثرة التكلف وشدة التمحل ، وهو يقرر هذا
المعنى بقوله : إن في كلام المتأخرين كلاماً حمل صاحبه فرط شغفه بأمور ترجع إلى ما
له اسم في البديع ، إلى أن ينسى أنه يتكلم ليفهم ، ويقول ليبين ، ويخيل إليه أنه
إذا جمع بين أقسام البديع في