اسم الکتاب : نظريّة النقد العربي رؤية قرآنيّة معاصرة المؤلف : الصّغير، محمد حسين علي الجزء : 1 صفحة : 33
« اللفظ جسم ، وروحه
المعنى ، وارتباطه كارتباط الروح بالجسم : يضعف بضعفه ، ويقوى بقوته ، فإذا سلم
المعنى واختل بعض اللفظ كان نقصاً للشعر وهجنة عليه.. فإن اختل المعنى كله وفسد
بقي اللفظ مواتاً لا فائدة فيه » [١].
ويبدو لي أن هذا النوع من التعقيد
والتقرير أقرب إلى القصد والاعتدال منه إلى التمحل والتعقيد ، فالصورة عند ابن
رشيق لا تكون واضحة الرؤية خصبة التخطيط إلا من خلال عنايتها باللفظ لتجعله الوسيط
الدال على المعنى المراد لأكيد الصلة ووشيج النسب بينهما « لأن التفكير في اللفظ
والمعنى تفكير جملي يفكر فيه الأديب مرة واحدة وبحركة عقلية واحدة ، فإذا رتبت
المعاني في الذهن ترتيباً منطقياً ، وإذا تحددت في الفكر تحديداً يجمعه ترابط
المعاني وتداعيها ، هذا الترابط وهذا التداعي الذي يرضاه المنطق أو يرضاه حسن
الأديب ، انحدرت هذه المعاني على اللسان بألفاظها الملائمة بها خطابة ، وانحدرت
على القلم بألفاظها المطاوعة لها كتابة وشعراً من غير تهذيب واختيار لهذه الألفاظ
» [٢].
وهذا المنهج الذي اختطه ابن رشيق تكاد
تنجذب له نفوس قسم من النقاد القدامى والمعاصرين ، ففي طليعة القدماء ابن الأثير ،
الذي يرى أن عناية العرب بالفاظها إنما هو عناية بمعانيها ، لانها أركز عندها
وأكرم عليها ، وإن كان يسوغ بل يعترف أن عناية الشعراء منصبة على الجانب اللفظي ،
ولكنها وسيلة لغاية محمودة وهي إبراز المعنى صقيلاً ، فإذا رايت العرب قد أصلحوا
ألفاظهم وحسنوها ، ورققوا حواشيها ، وصقلوا أطرافها ، فلا تظن أن العناية إذ ذاك
إنما هي بألفاظ فقط ، بل هي خدمة منهم للمعاني [٣].
ولا تفسر هذه المحاولة من ابن الأثير
بالاقتداء بخطوة ابن رشيق وهي وإن لم تصرح بمزج اللفظ والمعنى في قالب واحد ،
ولكنها تشير إلى