وبذلك يكشف شأن نزولها عن أنّ الأمر
الموصوف بالفطرية والمنعوت بكونه جبلياً هنا ليس هو « الاعتقاد بوجود الله » بل هو
« الاعتقاد بوحدانيته » كما لا يخفى.
الجواب :
ويمكن الإجابة على هذا الاعتراض بجوابين
:
١. أنّ هذا الكلام ـ لو صح ـ إنّما هو
صادق بالنسبة للآيات التي تتحدث عن حالة راكبي الفلك [١] حينما تعتريهم الأمواج الطاغية
فيتوجهون ـ في غمرة الخوف والانقطاع ـ إلى الله فيما يتوجهون في غير هذه اللحظات
إلى معبوداتهم وآلهتهم المزعومة المصطنعة مشركين ، حائدين عن جادة التوحيد.
وأمّا تلكم الآيات التي تصف أُصول
التعاليم الدينية بالفطرية ، وتعتبرها أُموراً نابعة من صميم ذاته ومنطبقة مع
جبلته ، ومقتضى خلقته فخارجة عن مجال هذا الكلام والاعتراض.
ففي هذه الآيات الأخيرة لم يعتبر
التوحيد فقط أمراً فطرياً جبلياً بل اعتبر العلم بالمحسنات والمقبحات والعلم
بالتقى والفجور كما في قوله تعالى : (فَأَلْهَمَهَا
فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)[٢]
أو العلم بالدين كما في قوله : (فَأَقِمْ
وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ الله)[٣].