اسم الکتاب : مجاز القرآن خصائصه الفنيّة وبلاغته العربيّة المؤلف : الصّغير، محمد حسين علي الجزء : 1 صفحة : 132
بالمعاني الأصلية ، أو
هي مقاربة ومجاورة لها ، كما هي الحال في استعمالات المجاز العقلي في القرآن ، بما
يتوصل اليه بقرينة ذهنية نصل معها الى مناخ مجازيته الفعلية بما أضفته من مسلك
دقيق قد لا تتوصل اليه الا الأفهام الثاقبة ، والطباع الرقيقة ، كما في قوله تعالى
: ( والسماء ذات الرّجع (١١)
والأرض ذات الصّدع (١٢) إنه لقول فصل (١٣)
وما هو بالهزل (١٤) )[١].
فأنت ترى أن الفصل والهزل ، وهما ههنا
وصفان للقرآن الكريم ، والوصفية هنا قد تكون أدل على المعنى المراد من المصدرية ؛
وذلك لأن الوصفية قد تغطي الدلالة الإيحائية مضافا الى الدلالة المركزية بأن : هذا
الوصف فضلا عن كونه مصدرا فهو مما يصلح أن يوصف به هذا الكتاب العظيم ، فيكون
التأكيد على جديته وحاكميته أرقى من خلال التعبير النافذ ، فيكون ذلك ألصق به ، والمراد
منه أشد وضوحا من إرادة المصدر بمفرده ، فاشتمل على المعنيين بوقت واحد ، وهذا
أبرز معلم من معالم الاستعمال المجازي في القرآن.
وقد عقب أستاذنا الجليل المرحوم الدكتور
أحمد عبد الستار الجواري على هذا الملحظ الدقيق فقال مشيرا للنموذج القرآني الآنف
:
« ولعل من أهم الأسباب التي ميزت أساليب
العربية بمثل هذه المزية قدم اللسان العربي ، وطول تداوله ، وكثرة تصرفه في
المعاني ، بحيث تكتسب الألفاظ المفردة فيه معاني مضافة مجاورة لمعانيها الأصلية ، فتمتد
هذه فضل امتداد ، حتى تصير المعاني المجاورة ، بعد لأي وطول إلاف ، كأنها جزء من
تلك المعاني الأصلية ، أو قرين مقارن مساو لها في الدلالة ، وذلك هو الذي يعبر عنه
علماء البلاغة بقولهم في ( المجاز العقلي ) أنه : إسناد الفعل أو ما هو بمنزلته [٢].
وما يقال هنا يقال بالنسبة لقوله تعالى
: ( فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين
(٢٩))[٣].
ومعلوم أن إسناد البكاء الى السماء والأرض معا ،