في صبيحة يوم شتوي مشمس من أيام شهر رجب
عام ١٤١٦هـ ـ كانون الأول ١٩٩٥م أقلعت بي الطائرة متوجهة صوب العاصمة البريطانية
لندن.
وحين تقلع الطائرة من شرق الأرض الى
غربها ... من وطن الصحو الى عاصمة الضباب ، يكون دفء الشمس المتسلل عبر نافذة
الطائرة والذي سأودعه هو الآخر كما ودعت وطني ، دفءً ذا مغزى.
استوت الطائرة في كبد السماء واستقرت في
طيرانها هادئة ناعمة كما لو كانت ثابتة فوق قطب مركزي راسخ ، فقررت أن أستثمر
الوقت بقراءة بعض سور من القرآن الكريم في مصحف صغيركان معي ، وكانت تلك عادة
اعتدت عليها منذ صباي ، فقد فتحت عينيّ على جدي في بيتنا الكبير في النجف الأشرف
وهو يقرأ القرآن صباح كل يوم ، وبعد الظهر ، وعند المساء ، وحين السفر ، وفي أوقات
أخرى ، ووعيت على أبي وهو يحمل في جيبه قرآناً لا يكاد يفارقه في حلّه وترحاله.