والعجيب أن هؤلاء يناقضون أنفسهم ،
فبينما يتهمون الدين بأنّه أفيون الشعوب ، يصرّحون بأن الإسلام قوة ثورية في وجه
الطغاة ، فقد زار خروشوف ، أحد القادة الشيوعيين في دولة الاتحاد السوفيتي ،
الجزائر يوماً ، وقابل ( بن بلاّ ) فشرح له بن بلاّ مكانة الإسلام في هذه المنطقة
من العالم ، وكيف استطاع أن يحرّر المسلمين بفضل تعاليمه من الاستعمار الفرنسي ،
فقال خروشوف : ( نعم إنّ الإسلام في هذه المنطقة يمثّل قوةً ثورية ) [١].
وهكذا نرى وهن هذه النظرية ، التي لم
تقم على أساسٍ موضوعي ، لذلك فهي لا تصلح أبداً لتفسير نشوء ظاهرة الدين والتدين
في حياة الإنسانية.
ومن خلال استعراضنا لهذه النظريات ـ الغربية
والشرقية ـ التي تفسّر علة تكون ظاهرة الدين في حياة الإنسان ونقدها وإثبات خطئها
، يمكن لنا أن نتساءل : إذن ما هي العلة الحقيقية الّتي دفعت الإنسان ، ومنذ أول
وجوده على هذه الأرض ، وإلى أن تنتهي الحياة ، إلى أن يعتنق الدين ، ويؤمن بتلك
القوة الملكوتية المهيمنة على هذا الوجود ، ويخضع لها بكل جوارحه ؟
هذا ما سوف نتعرف عليه في المحور الثاني
من هذا البحث إن شاء الله تعالى.