ثم توجه مجرم لقتال ابن الزبير فهلك في الطريق ، وتأمر بعده الحصين بن نمير بعهده من يزيد ، فأقبل حتى نزل على مكة المعظمة ونصب عليه العرادات والمجانيق [٧١] وفرض على أصحابه عشرة آلاف صخرة في كل يوم يرمونها بها ، فحاصروهم بقية المحرم وصفر وشهري ربيع يغدون على القتال ويروحون ، حتى جاءهم موت يزيد وكانت المجانيق أصابت جانب البيت فهدمته مع الحريق الذي أصابه.
وفظائع يزيد من أول عمره إلى انتهاء أمره أكثر من أن تحويها الدفاتر ، أو تحصيها الأقلام والمحابر ، قد شوهت وجه التاريخ وقبحت صحائف السير وكان أبوه يرى كلابه وقروده وصقوره وفهوده ويطلع على خموره وفجوره ، وبشاهد الفظائع من كل أموره ويعاين لعبه من الغواني ويعرف خبثه بكل المعاني ، ويعلم انه ممن لا يؤتمن على نقير ولا يولي أمر قطمير ، فكيف رفعه والحال هذه إلى أوج الخلافة وأحله عرش الملك والامامة وملكه رقاب المسلمين وسلطه على أحكام الدنيا والدين ، فغش بذلك امته ولم ينصح رعيته وقد قال رسول الله 6 ، فيما أخرجه البخاري في الورقة الأولى من كتاب الأحكام من صحيحه [٧٢] : ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم الا حرم الله عليه الجنة. وقال 6 فيما أخرجه احمد من حديث ابي بكر في صفحة ٦ من الجزء الأول من مسنده : من ولي من أمور المسلمين شيئاً فأمر عليهم أحداً محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم.
وقال 6 فيما اخرجه البخاري في تلك الورقة أيضاً : ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحظها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة.
[٧١] ذكر ذلك ابن قتيبة في صفحة ٢١٤ من كتابه الامامة والسياسة. [٧٢] في صفحة ٢٥٠ من جزئه الرابع.