اسم الکتاب : أعلام الدين في صفات المؤمنين المؤلف : الديلمي، حسن بن محمد الجزء : 1 صفحة : 128
نهلاً ، وسلك سبيلاً
جدداً ، قد خلع سرابيل الشهوات ، وتخلى من الهموم إلا هماً واحداً انفرد به ، فخرج
من صفة العمى ، ومشاركة أهل الهوى ، وصار من مفاتيح أبواب الهدى ، ومغاليق أبواب
الردى ، قد أبصر طريقه ، وسلك سبيله ، وعرف مناره ، وقطع غماره [١] ، واستمسك من العرى بأوثّقها ، ومن
الحبال بأمتنها ، فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس.
قد نصب نفسه ـ لله سبحانه ـ في أرفع
الاُمور ، من إصدار كل وارد عليه ، وتصيير كل فرع إلى أصله ، مصباح ظلمات ، كشاف
غشوات ، مفتاح مهمات ، دفاع معضلات ، دليل فلوات ، يقول فيفهم ، ويسكت فيسلم.
قد أخلص لله سبحانه فاستخلصه ، فهو من
معادن دينه ، وأوتاد أرضه ، قد ألزم نفسه العدل ، فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه
، يصف الحق ويعمل به ، لا يدع للخير غاية إلا أمها ، ولا مظنة إلاّ قصدها ، قد
أمكن الكتاب من زمامه ، فهو قائده وإمامه ، يحل حيث كان محله ، وينزل حيث كان
منزله.
وآخر قد تسمى عالماً وليس به ، فاقتبس
جهائل من جهال ، وأضاليل من ضُلاّل ، ونصب للناس أشراكاً من حبائل غرور وقول زور ،
قد حمل الكتاب على ارائه ، وعطف الحق على أهوائه ، يؤمن من العظائم ، ويهون كبير
الجرائم ، يقول : أقف عند الشبهات ، وفيها وقع ، ويقول : أعتزل البدع ، وبينها
اضطجع ، فالصورة صورة إنسان ، والقلب قلب حيوان ، لا يعرف باب الهدى فيتبعه ، ولا
باب العمى فيصد عنه ، فذلك ميت الأحياء.
فأين
تذهبون! وأنى تؤفكون!
والأعلام قائمة ، والآيات واضحة ، والمنار منصوبة ، فأين يتاه بكم! بل كيف تعمهون!
ووبينكم عترة نبيكم ، وهم أزمّة الحق ، وألسنة الصدق ، فأنزلوهم بأحسن منازل ، وردوهم
ورود الهيم العطاش.
أيها الناس ، خذوها عن خاتم النبيين صلىاللهعليهوآلهوسلم : انه يموت من يموت منّا وليس بميت ، ويبلى
من بلي وليس ببال ، فلا تقولوا مالا تعرفون ، فإن أكثر الحق فيما تنكرون ، واعذروا
من لاحجة لكم عليه وأنا هو ، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر!وأترك فيكم الثقل
الأصغر! وركزت فيكم راية الإيمان! ووقفتكم على الحلال والحرام! وألبستكم العافية
من عدلي! وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي! وأريتكم كرائم
[١] غمار : جمع غمرة وهي شدة الشيء ومزدحمه « القاموس المحيط ـ غمر ـ ٢ : ١٠٤ ».
اسم الکتاب : أعلام الدين في صفات المؤمنين المؤلف : الديلمي، حسن بن محمد الجزء : 1 صفحة : 128