وإن هما أرادني بخير
فاهدهما ، فانطلقا حتّى دخلا على فرعون فاخبراه بالّذي عايناه فقال أحدهما : ما
الّذي نفعك أن يقتل فكتم عليه ، فقال الآخر : وغزّة فرعون لا أكتم عليه وأخبر
فرعون على رؤوس النّاس بما رآى وكتم الآخر ، فلمّا دخل حزبيل قال فرعون للرّجلين
من ربّكما؟ قالا : أنت. فقال لحزبيل ومن ربّك؟ قال : ربّي ربّهما ، فظنّ فرعون
أنّه يعنيه فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب وسرّ فرعون ،
وأمر بالأوّل فصلب ، فنجى الله المؤمن وآمن الآخر بموسى صلوات الله عليه عليه حتّى
قتل مع السّحرة [١].
فصل ـ ٨ ـ
( في تسع آيات موسى
صلوات الله عليه )
١٩٥ ـ لمّا اجتمع رأي فرعون أن يكيد
موسى فأوّل ما كاده به عمل الصّرح ، فأمّرّ هامان ببنائه حتّى اجتمع فيه خمسون ألف
بناء ، سوى من يطبخ الآجر وينجّر الخشب والأبواب ، ويضرب المسامير حتّى رفع
بنياناً لم يكن مثله منذ خلق الله الدّنيا ، وكان أساسه على جبل ، فزلزله الله تعالى
، فانهدم على عمّاله وأهله وكلّ من كان عمل فيه من القهارمة والعمّال ، فقال فرعون
لموسى عليهالسلام : انّك تزعم
أنّ ربّك عدل لا يجوز أفعدله [٢]
الّذي أمر؟ فاعتزل الآن إلى عسكرك ، فإنّ النّاس لحقوا بالجبال والرمال ، فإذا
اجتمعوا تسمعهم [٣]
رسالة ربّك ، فأوحى الله تعالى إلى موسى عليهالسلام
أخّره ودعه ، فانّه يريد أن يجنّد لك الجنود لك الجنود فيقاتلك ، واضرب بينك وبينه
أجلاً ، وابرز إلى معسكرك يأمنوا بأمانك ، ثم ابنوا بنياناً واجعلوا بيوتكم قبلة.
فضرب موسى بينه وبين فرعون أربعين ليلة
، فأوحى الله إلى موسى أنّه يجمع لك الجموع ، فلا يهولنّك شأنه فانّي أكفيك كيده ،
فخرج موسى صلوات الله عليه من عند فرعون والعصا معه على حالها حيّة تتبعه وتنعق
وتدور حوله والنّاس ينظرون إليه متعجّبين وقد ملئوا رعباً ، حتّى دخل موسى عسكره
وأخذ برأسها فإذا هي عصا ، وجمع قومه وبنوا مسجداً.