ثم تطلع الناس ، فاذا هم بابن رسول
اللّه الذي كان أشبههم به خلقاً وخلقاً وهيبة وسؤدداً ، يخطو من ناحية محراب أبيه
في المسجد العظيم ليصعد على منبره. وفي غوغاء الناس ولع بالفضول لا يصبر عن
استقراء الدقائق من شؤون الكبراء ، فذكروا لجلجة معاوية في خطبته ، ورباطة الجأش
الموفورة في الحسن وقد استوى على أعواده ، وأخذ يستعرض الجموع الزاخرة التي كانت
تضغط المسجد الرحب على سعته ، وكلها ـ اذ ذاك ـ أسماع مرهفة لا همَّ لها الا أن
تعي ما يردّ به على معاوية ، فيما خرج به عن موضوع الصلح ، فنقض العهود وأهدر
الدماء وتطاول على الاولياء. وكان الحسن بن علي (ع) أسرع الناس بديهة بالقول ،
وأبرع الخطباء المفوَّهين على تلوين الموضوعات ، فخطب في هذا الموقف الدقيق ،
خطبته البليغة الطويلة التي جاءت من أروع الوثائق عن الوضع القائم بين الناس وبين
أهل البيت عليهمالسلام بعد وفاة
رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ووعظ ونصح
ودعا المسلمين ـ في أولها ـ الى المحبة والرضا والاجتماع ، وذكّرهم ـ في أواسطها ـ
مواقف أهله بل مواقف الانبياء ، ثم ردّ على معاوية ـ في آخرها ـ دون أن يناله بسب
أو شتم ، ولكنه كان بأسلوبه البليغ ، أوجع شاتم وسابّ.
قال : « الحمد للّه كلما حمده حامد ،
وأشهد ان لا اله الا اللّه كلما شهد له شاهد. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أرسله
بالهدى ، وائتمنه على
١ ـ هو عمرو بن عبد
اللّه الهمداني التابعي ، الذي يقال عنه أنه صلى اربعين سنة صلاة الغداة بوضوء
العتمة ، وكان يختم القرآن في كل ليلة ، ولم يكن في زمانه أعبد منه ولا أوثق في
الحديث.
٢ ـ شرح النهج ( ج ٤
ص ١٦ ).
اسم الکتاب : صلح الحسن عليه السلام المؤلف : آل ياسين، الشيخ راضي الجزء : 1 صفحة : 286