ويلاحظ على هذا الكلام : أنّ الآية بصدد تهديد المجرمين وإنذارهم ، وهذا لا يحصل إلاّ بتحذيرهم وحرمانهم من رحمته ، وتعذيبهم في جحيمه ، وأمّا تهديدهم بأنّهم سيحرمون عن رؤيته تبارك وتعالى فلا يكون مؤثّراً فيمن غلبت على قلبه آثار المعاصي والمآثم فلا يفكر يوماً بالله ولا برؤيته ، وعلى ذلك ، فالمراد أنّ هؤلاء محجوبون يوم القيامة عن رحمته وإحسانه وكرمه ، وبعدما مُنِعوا من الثواب والكرامة يكون مصير هؤلاء إلى الجحيم ، ولذلك رتّب على خيبتهم وحرمانهم قوله : (إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) .
هذه هي الآيات الّتي وقعت ذريعة للاستدلال على العقيدة المستوردة من الأحبار والرهبان إلى المسلمين ، فزعم المحدّثون والمغترّون كونها عقيدة إسلامية ، فحشروا الآيات للبرهنة عليها سواء كانت بها دلالة أم لا .
ولو كان المستدلّون متجرّدين عن عقائدهم لفهموا أنّ هذه الآيات نزلت لبيان مفاهيم أخلاقية واجتماعية وسوق المجتمع إلى العمل الصالح وعدم التورّط في المعاصي ، وأين هي من الدلالة على أصل كلامهم حول الرؤية؟!
إنّ الله سبحانه ذكر نعم الجنّة الكثيرة ومقامات المؤمنين ، ولو كانت الرؤية من أماثل نعمه سبحانه فلماذا لم يذكرها بوضوح كسائر النعم؟