يقول أمير المؤمنين عليّ عليه السلام في بيان أهمّيّة مودّتهم لحصول الالفة، وبالتالي الوحدة والقوّة والتقدّم التمدّني:
«فاعْتَبِرُوا بِحالِ وَلَدِ إِسْماعِيلَ وَبَني إِسْحاقَ وَبَني إِسْرائِيلَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. فَما أَشَدَّ اعْتِدالَ الْأَحْوالِ، وَأَقْرَبَ اشْتِباهَ الْأَمْثالِ!
تَأَمَّلُوا أَمْرَهُمْ في حَالِ تَشَتُّتِهِمْ وَتَفَرُّقِهِمْ، لَيالِيَ كَانَتِ الْأَكاسِرَةُ والْقَياصِرَةُ أَرْباباً لَهُمْ، يَحْتازُونَهُمْ عَنْ رِيفِ الْآفاقِ، وَبَحْرِ الْعِراقِ، وَخُضْرَةِ الدُّنْيا، إِلَى مَنابِتِ الشِّيحِ، وَمَهافي الرِّيحِ، وَنَكَدِ الْمَعاش، فَتَرَكُوهُمْ عالَةً مَساكِينَ إِخْوانَ دَبَرٍ وَوَبَرٍ أَذَلَّ الْأُمَمِ داراً، وَأَجْدَبَهُمْ قَرَاراً، لَايَأْؤونَ إِلَى جَنَاحِ دَعْوَةٍ يَعْتَصِمُونَ بِهَا، وَلَا إِلَى ظِلِّ أُلْفَةٍ يَعْتَمِدُونَ عَلَى عِزِّهَا. فَالْأَحْوَالُ مُضْطَرِبَةٌ، وَالْأَيْدِي مُخْتَلِفَةٌ، والْكَثْرَةُ مُتَفَرِّقَةٌ؛ في بَلَاءِ أَزْلٍ، وَأَطْباقِ جَهْلٍ! مِنْ بَناتِ مَوْؤُودَةٍ، وَأَصْنامٍ مَعْبُودَةٍ، وَأَرْحامٍ مَقْطُوعَةٍ، وَغارَاتٍ مَشْنُونَةٍ.
فانْظُرُوا إِلَى مَواقِعِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ حِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا، فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طاعَتَهُمْ، وَجَمَعَ عَلَى دَعْوَتِهِ أُلْفَتَهُمْ؛ كَيْفَ نَشَرَتِ النِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ جَناحَ كَرامَتِها، وَأَسالَتْ لَهُمْ جَدَاوِلَ نَعِيمِها، وَالْتَفَّتِ الْمِلَّةُ بِهِمْ في عَوَائِدِ بَرَكَتِها، فَأَصْبَحُوا في نِعْمَتِهَا غَرِقِينَ، وَفي خُضْرَةِ عَيْشِهَا فَكِهِينَ. قَدْ تَرَبَّعَتِ الْأُمُورُ بِهِمْ، في ظِلِّ سُلْطانٍ قاهِرٍ، وَآوَتْهُمُ الْحالُ إِلَى كَنَفِ عِزٍّ غالِبٍ، وَتَعَطَّفَتِ الْأُمُورُ عَلَيْهِمْ في ذُرَى مُلْكٍ ثابِتٍ. فَهُمْ حُكّامٌ عَلَى