لا يخفى على أحد ما للشعر من تأثير خاص في نفسيّة كل إنسان، يلمسه عند قراءته واستماعه له بحيث يتفاعل معه وينقاد لما يريده، ولهذا نرى بوضوح كيف إنّ السلطات الظالمة كانت تجعل منه أداة طيّعة لخدمة أغراضها وتوجّهاتها، فقد كانوا يستخدمون الشعراء لغايات ماديّة وأغراضٍ سياسيّة، فيرسلون قصائدهم لكل صقع وناحية في سبيل جلب الناس إليهم، فكان الشعر إلى جنب الخطابة وسيلتين اعلاميتين في تلك العصور.
إلاّ أنّ استخدام الشعر والشعراء لم يكن مختصّاً بأهل الهوى في أهدافهم فحسب، بل كان رجال الوحي والدين يستخدمون ذلك السلاح في تحقيق أهدافهم الاِصلاحيّة. حيث يحدثنا التاريخ أنّ النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ كان يأمر شعراء عصر الرسالة كحسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد اللّه بن رواحة وغيرهم بالرد على الشعراء الذين كانوا يهاجمون الاِسلام وأهله بقصائدهم، كما حصل حينما قال ابن الزبعرى في غزوة أُحد قصيدته التي مطلعها:
يا غراب البين أسمعتَ فقلإنّما تنطُق شيئــاً قد فعـل