إنّ التاريخ البشري حافل بأنواع من الحوادث والكوارث والملمات والمحن والنجاحات والاِخفاقات، فكلّتلك الظواهر لابدّ لها من سبب ينشئها ويوجدها ولم يكن تحققها على مسرح التاريخ أمراً اعتباطياً أو اتفاقياً تحققت صدفة.
فالباحث عن التاريخ عندما يستعرض السير التاريخي للحوادث لابدّ أن يأخذ بنظر الاعتبار العلل التي حققتها وأظهرتها على الساحة التاريخية ويبدأ بتحليلها بغية اقتناص العبر المفيدة وتطبيقها على حياته الفردية والاجتماعية، وعند ذلك يصبح التاريخ محل العبر، ومثار العظات ومصدر العلم بالسنن الاِلهية في حياة المجتمعات الاِنسانية وانفساخها.
و بالتالي يكون التاريخ مدرسة تطبيقية للوقوف على الاَُصول التي فيها حياة الاَُمّة وبقاوَها أو موتها وفناوَها.
و قد كان التاريخ في القرون السالفة يتلخص في قراءة الحوادث وتتابعها بسرد حوادث تتضمن انتصارات أقوام على أقوام، ونشوء أُمم وفناءها، دون أن يقوم الموَرخ بتحليل تلك الحوادث التاريخية والوقوف على أسبابها وعللها، والوقوف على نتائجها ومضاعفاتها. وقد أُطلق على هذا النوع من كتابة التاريخ بالتاريخ النقلي، وهو أشبه بسرد القصص من دون تحليل واستنتاج.