responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : نظرية المعرفة (المدخل إلى العلم والفلسفة والالهيات) المؤلف : السبحاني، الشيخ جعفر    الجزء : 1  صفحة : 60

بواعث الإنكار

فلابد ـ في ضوء ذلك ـ من البحث عن الحافز أو الحوافز الّتي جرّتهم إلى تبني هذه الفكرة الساقطة. ولعلّ الّذي دعاهم إلى تبنيها أحد الأمرين التاليين أو كلاهما.

الأوّل ـ ظهور الآراء المتشتتة في الأبحاث الفلسفية فيما يتعلق ببدء العالم ونهايته، وموجده، وغرضه وغير ذلك ممّا تضاربت فيه الآراء. ورأوا أنّ كل طائفة تخطّئ الأُخرى وتردّ براهينها، والتشاجر والتنازع فيما بينها قائم على قدم وساق، فلا ينقطع البحث ولا يصل إلى غاية.

فهذا البسط والعمق من جانب، وبساطة أفكار القوم في تمييز الصحيح من الآراء عن الزائف منها، من جانب آخر، جعلهم حيارى، وعقولهم صرعى، فلجأوا إلى مسلك آخر، وهو مسلك السفسطة بأقسامها.

الثاني ـ ظهور فن الخطابة في تلك الأدوار، وهذا الفن يبتني على ذوقيات وتحليلات يستحسنها البسطاء، حيث يجدونها ملائمة لبعض قواهم. وكان للخطابة تأثيرٌ واسعٌ في تلك الحقبة، فاستخدمها رجال السياسة لبيان أهدافهم السياسية في إجراء الإصلاحات، أو إشعال الثورات، أو إخمادها. بل كان المحامون في المحاكم القضائية يستخدمونها في الدفاع عن موكليهم. فلأجل ذلك دوّنوا لها أصولاً وقواعد، وصارت فنّاً مستقلاً .

فلما كان القوم يرون أنَ رجال السياسة قد يتبنون موقفاً اليوم، وآخر غداً، ورأوا أنّ كل محام يتبنى شتى ما ينتفع به موكله ويبطل ما يدّعيه خصمه، بل ربما لجأ محام واحد إلى الدفاع عن المتخاصمين جميعاً، كل ذلك صار سبباً لتشكيك القوم في ثبوت واقعية وراء التفكير الإنساني، إذ رأوا أنّ الحقائق مَلْعَبَةُ الأفكار والآراء.

وظل القوم تائهين في ضلالتهم، يسوقون العامة إلى حضيض الجهل والظلمة، إلى أن نهض الفطاحل من الأغارقة الأقدمين كسقراط وأفلاطون وأرسطو، فكافحوهم، وبددوا شملهم، وحلّوا عقدهم وشبهاتهم، وأوضحوا

اسم الکتاب : نظرية المعرفة (المدخل إلى العلم والفلسفة والالهيات) المؤلف : السبحاني، الشيخ جعفر    الجزء : 1  صفحة : 60
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست