فأمّا القسم الاَوّل: فلا يتسـرّب إليه البداء لافتراض كونه تقديراً حتمياً
وقضاءً مبرماً، وإنّما يتسـرّب البداء إلى القسم الثاني وهو القضاء المعلق فهو
يتغيّـر إمّا بالاَعمال الصالحة أو الطالحة قال سبحانه: (إنّ اللّه لا يُغيِّـرُ ما بِقَومٍ حتّى
يُغَيِّـروا ما بِأَنْفُسِهمْ)[1]
وقال تعالى: حاكياً عن شيخ الاَنبياء نوح عليه السّلام : (فَقُلْتُ اسْتغفِروا رَبَّكُمْ إنَّهُ كانَ
غفَّاراً * يُرسِلِ السَّماءَ عَلَيكُمْ مِدراراً * ويُمْدِدْكُمْ بِأموالٍ وَبَنينَ ويَجْعَلْ لَكُمْ جَنّاتٍ
ويَجْعَلْ لَكُمْ أنهاراً)[3]
فالبداء بهذا المعنى ممّا اتفق عليه المسلمون قاطبة كما اتفقوا على عدم
صحة البداء بالمعنى الاَول، وأمّا استعمال البداء «بدا للّه» في هذا المقام مع أنّه بداء
لنا من اللّه فهو أشبه بالمجاز وقد استعمل النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في حديث الاَقرع والاَبرص
والاَعمى تلك اللفظة، وقال: وبدا للّه عزّ وجلّ أن يبتليهم [4] وعلى كلّ تقدير
فليس النزاع في اللفظ والتسمية بل مورده هو المسمى والمقصود.
ولو أنّ علماء السنّة وقفوا على ما هو المقصود من القول بالبداء للّه لما
اعترضوا على الشيعة الاِمامية. وكم من مسائل خلافية لو طرحت في جوٍّ هادىَ
يسوده روح البحث العلمي بعيدٍ عن التعصب لزالت حواجز الاختلاف ولتقاربت
وجهات نظر الطائفتين.