إمكان تكليف الكفّار بالفروع، وإلّا كان الحكم الإلزامي شاملًا هنا بمقتضى الإطلاق في بعض النصوص والأدلّة، وأمّا الاحتجاج بعدم تأتّي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الكافر فهو صادق في بعض أنواع المعروف والمنكر لا جميعها، فإنّ بعضها الآخر ممّا تشترك فيه الديانات كافّة، كعبادة اللَّه والاعتقاد بنبوّة بعض الأنبياء والكثير من أفعال الخير والصلاح، بل يمكن تصوّر ذلك حتى من الجاحد بربوبية اللَّه تعالى ووجوده، كما في مثل أنواع الحسن والقبيح المدركة بالعقل العملي، لا سيما مع عدم اشتراط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقصد القربة كما تقدّم.
ج- العدالة:
اختلف الفقهاء في اعتبار العدالة في الآمر والناهي، فاشترطها بعضهم على ما ذكره الشيخ البهائي [1]؛ استناداً إلى أنّ الفاسق ليس له أن يأمر وينهى؛ لقوله تعالى: «أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» [2]، وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَاتَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَاتَفْعَلُونَ» [3].
واستدلّ له أيضاً ببعض الروايات:
منها: مرفوعة محمّد بن أبي عمير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إنّما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال: عامل بما يأمر به، تارك لما ينهى عنه، عادل فيما يأمر، عادل فيما ينهى، رفيق فيما يأمر، رفيق فيما ينهى» [4].
ومنها: قول أمير المؤمنين عليه السلام:
«وأمروا بالمعروف وائتمروا به، وانهوا عن المنكر وتناهوا عنه، وإنّما امرنا بالنهي بعد التناهي» [5].
ومنها: قول الإمام الصادق عليه السلام في رواية أبي عمرو الزبيري: «... ولا يأمر بالمعروف من قد امر أن يؤمر به، ولا ينهى عن المنكر من قد امر أن ينهى عنه» [6]. [1] الأربعون حديثاً (البهائي): 217. [2] البقرة: 44. [3] الصفّ: 2، 3. [4] الوسائل 16: 150، ب 10 من الأمر والنهي، ح 3. [5] الوسائل 16: 151 ب 10 من الأمر والنهي، ح 8. [6] الوسائل 15: 34، 39، ب 9 من جهاد العدوّ، ح 1.