وأمّا العلم الإجمالي فمقتضاه عدم العمل بتلك الظهورات قبل الفحص عمّا يكون صارفاً لها، ونحن نسلّم ذلك، إلّا أنّ المدعى هو جواز العمل بها بعد الفحص بالمقدار اللّازم منه [1]).
كما أنّهم خالفوا الاصوليين في التمسك بأصل البراءة في الشبهات التحريمية، حيث حكموا بوجوب الاحتياط فيها بعد أن وافقوهم في عدم وجوبه في الشبهات الوجوبية- إلّا القليل منهم كالمحدّث الاسترآبادي فإنّه قد تفرّد من بينهم بالقول بوجوب الاحتياط فيها أيضاً- إلّا أنّ هذا اختلاف بين الفقهاء في مسألة اصولية شأنه شأن الاختلاف الذي يحدث بين الفقهاء في سائر الفروع والمسائل، وقد استدل القائلون بالبراءة فيها برواية: «كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي» [2]، واطلاقها يشمل الشبهات الحكمية والموضوعية، باعتبار أن مفادها الحكم بحلّية الشيء المشكوك في حرمته، سواء كان منشأ الشك عدم تمامية البيان من قبل المولى كما في الشبهات الحكمية، أو الامور الخارجية كما في الشبهات الموضوعية.
3- حكم الاجتهاد في مقام امتثال المكلّف ومقام رجوع الغير إليه:
صرّح أغلب فقهائنا بأنّ حكم الاجتهاد في مقام الامتثال هو الوجوب التخييري [3]، حيث ذكروا بأنّه يجب على كل مكلّف بحكم العقل تحصيل ما هو المؤمّن من العقاب، حيث إنّه يدرك أنّ في ارتكاب المحرم وترك الواجب من دون استناد إلى الحجّة استحقاقاً للعقاب، كما أنّ في ارتكاب المشتبهات احتمال العقاب؛ لتنجّز الأحكام الواقعية على المكلّفين بالعلم الإجمالي أو الاحتمال قبل الفحص.
وتحصيل المؤمّن من العقاب يكون بأحد امور ثلاثة:
1- الاجتهاد، فإنّ المجتهد إمّا أن يعمل على طبق ما قطع به بالوجدان، كما في القطعيات والضروريات وهو قليل، وإمّا أن يعمل على طبق ما قطع بحجّيته من
[1] أجود التقريرات 2: 92. [2] من لا يحضره الفقيه 1: 317 ح 937. [3] مستمسك العروة 1: 6. التنقيح في شرح العروة (الاجتهاد والتقليد): 21- 22.