إنا نعلم أنا أتيناهم و نحن فقراء فأغنونا، ثم أصبنا الغنى فكفّوا عنّا و لم يزرؤونا شيئا. فأما ذكرهم ذلة قريش بمكة و عزّها بالمدينة فكذلك كنا و كذلك قال اللّه تعالى: وَ اُذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي اَلْأَرْضِ تَخََافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ اَلنََّاسُ[1] فنصرنا اللّه تعالى بهم و آوانا إلى مدينتهم.
و أما غضبك لقريش، فإنا لا ننصر كافرا و لا نواد ملحدا و لا فاسقا، و لقد قلت و قالوا، فقطعك الخطيب و ألجمك الشاعر.
و أما ذكرك الذي كان بالأمس، فدع المهاجرين و الأنصار، فإنك لست من ألسنتهم في الرضا، و لا نحن من أيديهم في الغضب.
و قال له يزيد بن أبي سفيان: يا ابن عقبة، الأنصار أحق بالغضب لقتلى أحد، فاكفف لسانك، فإن من قتله الحق لا يغضب له.
و قال له ضرار بن الخطاب: أما و اللّه لو لا أن رسول اللّه قال: «الأئمة من قريش» لقلنا: الأئمة من الأنصار، و لكن جاء أمر غلب الرأي. فاقمع شرّك أيها الرجل و لا تكن امرأ سوء، فإن اللّه لم يفرّق بين الأنصار و المهاجرين في الدنيا، و كذلك اللّه لا يفرّق بينهم في الآخرة.
ثم سكت كل من الفريقين عن صاحبه و قطعوا الخلاف و العصبية، و رضي القوم أجمعون [2] .
و إنما قدمنا كل هذه الأخبار بعد خطبة فاطمة عليها السّلام و قبل طلبهم البيعة من علي عليه السّلام لاشتمال هذه الأخبار على هتاف الأنصار باسم علي، مما ظاهره أنه قبل أخذ البيعة منه.