responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاريخ المدينة المؤلف : عمر بن شبه النميري البصري    الجزء : 1  صفحة : 3
الاهداء إلى من غرسا في نفسي حب الكتاب، والتنقيب عنه في الخزائن الخاصة والعامة. إلى والدي العزيزين أهدي هذا الكتاب رجاء أن يكون لهما فيه من الله تعالى أجر المؤلف في علم ينتفع به.. اللهم رحماك بهما، وبالمؤلف، وبجميع عبادك المؤمنين. حبيب محمود أحمد
[ 5 ]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الغر الميامين. وبعد.. فقد كانت أمنية غالية تراودني كلما عاودت المطالعة والقراءة في كتاب: " وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى " للعلامة السمهودي - رحمه الله - الذي أورد نصوصا نقلها عن ابن شبة في كتابه " تاريخ المدينة المنورة " أن أهتدي إلى نسخة من هذا الكتاب، مخطوطة أو مطبوعة، ودفعتني رغبة ملحة في أن أجد في البحث والاستقصاء، علني أعثر على هذا الكتاب الذي نقل عنه كثير من المحدثين والمؤرخين.. وبتوفيق من الله تعالى اهتديت إلى وجود نسخة من تاريخ ابن شبة - مدار البحث - في مكتبة المرحوم السيد محمد مظهر الفاروقي بالمدينة المنورة. وطلبت من حفيده الاخ عمر مظهر تمكيني من تصوير المخطوطة، فتفضل بذلك مشكورا. وعهدت بقراءتها، ونسخها، وتحقيقها لفضيلة المحقق الكبير الاستاذ فهيم محمد شلتوت، الذي كان له فضل المشاركة عن طريق الصديق الكبير سعادة السيد أحمد هاشم مجاهد في إخراج هذا الكتاب بما بذله من مجهود وعناية ودراسة واهتمام.. تبرز ذلك مقدمته التي أوضح فيها مراحل الكتاب، وما يتعلق به.
[ 6 ]
على أنه لا يفوتني في هذا المقام شكر الاخ الدكتور بكري شيخ أمين الذي أشرف على تصحيح الكتاب ومراجعته وتدقيقه.. وها هو ذا تاريخ المدينة المنورة بين يدي القراء الكرام، بعد أن يسر الله إخراجه.. فله الفصل والمنة، ولآل مظهر الشكر والتقدير. وصلى الله وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. حبيب محمود أحمد ذو الحجة 1402
[ 7 ]
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله على نعمائه والشكر لله على أفضاله وآلائه، والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف رسله وأكرم أنبيائه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى من اهتدى بهديه إلى يوم الدين. وبعد: فلقد أكرمني الله تعالى إذ هيأ لي أن أقوم بتحقيق هذا الكتاب، ويعلم الله وحده كم فرقت وانتابني الخوف حينما أطلعني الصديق الكريم الاستاذ أحمد هاشم مجاهد على مصورة مخطوطته، وحاولت أن أوجهه إلى بعض أساتذتي الافاضل في ميدان التحقيق، وخصوصا هؤلاء الذين اشتغلوا بالحديث وعلومه، ولهم دراية بفقهه ومعايشة لالفاظه، لانني قد حصرت جهدي في التحقيق في التاريخ الوسيط، اللهم إلا الجزء الخامس من سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للصالحي وهو يعالج بعض غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم. ولكن أمام رغبة الصديق الاستاذ أحمد مجاهد وما شعرت به من إعزازه لسماحة السيد حبيب محمود أحمد وجدت نفسي عاجزا عن الاصرار على الاعتذار، وقبلت - على خوف ووجل - القيام بالتحقيق. وقلت: إذا استطعت أن أحقق نسبة ثمانين في المائة من تقويم هذا النص وتقديمه للعلماء وطلاب المعرفة، فإن ذلك لا شك سيكون بعون من الله وتوفيقه، وليس بجهد أدعيه خالصا لنفسي. فخط الكتاب تتعذر قراءته، والخرم والسقط فيه كثير.. وهو من نسخة واحدة، ويعد أقدم المصادر في بابه، ويتعذر أن أجد مصدرا يسبقه قد يساعد على حل معضلاته، إلى جانب أن المجازفة في الاجتهاد محفوفة بمخاطر السقوط في الخطأ. ولعلي أكون معذورا إذا فاتني استدراك
[ 8 ]
صواب، أو قصر باعي عن سد خرم، أو أخطأت في اجتهاد، ولا أستطيع أن أدعي لنفسي قدرة على حل المغاليق، ويكفي أنني لجأت إلى من لهم سبق في هذا المضمار طالبا العون فأعانوا بقدر ما أفاء الله عليهم من فضل وعذروني فيما توقفت فيه وتحيرت حياله، فالله يجزيهم عني وعن العلم خير الجزاء. مؤلف الكتاب هو المحدث الثقة المؤرخ أبو زيد عمر بن شبة النميري البصري، ولد سنة 173 ه‌، وتوفي سنة 262 ه‌ وقد ترجم له ابن النديم في الفهرست، وياقوت الحموي في معجم الادباء، وابن خلكان في وفيات الاعيان، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، والنووي في تهذيب الاسماء واللغات، والذهبي في تذكرة الحفاظ، وابن حجر في لسان الميزان، والسيوطي في بغية الوعاة. وقد أجمع كل من ترجموا له على أنه صادق اللهجة، غير مدخول الرواية، عالم بالآثار، راوية للاخبار، أديب فقيه، صاحب نوادر واطلاع، عالم بالقراءات، صاحب تصانيف، بصير بالسير والمغازي وأيام الناس، ثقة في كل ما يروي. وقد سمع وروى وحدث عن ثقات علماء عصره مثل جبلة بن مالك، ومحبوب بن أبي الحسن، وعبد الوهاب الثقفي، ومحمد بن جعفر غندر، وأبي زكريا يحيى بن محمد بن قيس، وعلي بن عاصم، ويزيد بن هارون، ومؤمل بن إسماعيل، وعمر بن شبيب، وحسين الجعفي، وابن بدر السكوني، ومعاوية بن هشام، وعبد الوهاب ابن عطاء، وأبي عاصم النبيل، ويحيى القطان، ويوسف بن عطية، ومحمد بن سلام الجمحي، وإبراهيم بن المنذر، وهارون بن عبد الله، وغيرهم ممن سيرد ذكرهم في الكتاب الذي بين أيدينا. وروى عن ابن شبة، وحدث عنه أبو بكر بن أبي الدنيا، وعبد الله ابن سليمان، وعبد الملك بن عمرو الوراق، وأحمد بن فرج، وأبو
[ 9 ]
شعيب الحراني، وأبو قاسم البغوي صاحب الصحيح، ويحيى بن صاعد، وإسماعيل بن العباس الوراق، ومحمد بن زكريا الدقاق، والقاضي المحاملي ومحمد بن مخلد، ومحمد بن الاثرم، وابن ماجه صاحب السنن، وأبو العباس الثقفي، وأبو نعيم، وعبد الملك الجرجاني، وخلق كثير. ولقد عاش عالمنا في فترة ثورة فكرية طبقت العالم الاسلامي، واقتحمت فيها الفلسفة ميادين الفكر والثقافة، وكان لها أثرها لدى متكلمي المعتزلة، ونتج عن هذا الاثر القول بخلق القرآن، تلك الداهية الدهياء التي دهي بها الفكر الاسلامي في أواخر سنة مائتين وثماني عشرة إبان عهد الخليفة المأمون بن الرشيد، وكان المحدثون أول من امتحن بها، ولكنهم على كره منهم وافقوا المأمون على قوله بخلق القرآن، ويقال إن من بين هؤلاء بعض أجلاء علماء الحديث مثل: محمد بن سعد الواقدي، وأبي مسلم المستملي، ويزيد بن هارون، ويحيى بن معين، وأبي خثيمة زهير بن حرب، وإسماعيل بن أبي مسعود، وأحمد بن الدورقي. ثم انتقل الامر إلى الفقهاء، وكأنما تجمعت رزية الفتنة في الامام أحمد ابن حنبل رضى الله عنه، فقد لاقى على أيدي زبانية المأمون ثم المعتصم من السجن والتعذيب بالقيود والضرب بالسياط ما لم يسمع بمثله في حق عالم من العلماء. وكان عالمنا ابن شبة من بين هؤلاء الذين امتحنوا بخلق القرآن، فقد روى الخطيب البغدادي في ترجمته لابن شبة خيرا عن أبي علي الغنوي يقول فيه: امتحن عمر بن شبة بسر من رأى بحضرتي، فقال: القرآن كلام الله ليس بمخلوق. فقالوا له: من توقف فيه فهو كافر ؟ فقال: لا أكفر أحدا. فقالوا له: أنت كافر. ومزقوا كتبه فلزم داره وحلف ألا يحدث شهرا. مؤلفات ابن شبة: وقد ألف ابن شبة في التاريخ، والادب، والاخبار، واللغة، وعلوم الدين، وأسماء كتبه كما أوردها ابن النديم هي:
[ 10 ]
1 - كتاب الكوفة. 2 - وكتاب البصرة. 3 - وكتاب أمراء المدينة، - ولعله تاريخ المدينة الذي بين أيدينا -. 4 - وكتاب أمراء مكة - ولعله كتاب تاريخ مكة الذي ينقل عنه البخاري. 5 - وكتاب السلطان. 6 - وكتاب مقتل عثمان. 7 - وكتاب الكتاب. 8 - وكتاب الشعر والشعراء. 9 - وكتاب الاغاني. 10 - وكتاب التاريخ. 11 - وكتاب أخبار المنصور. 12 - وكتاب أخبار محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن ابن الحسن. 13 - وكتاب أشعار الشراة. 14 - وكتاب النسب. 15 - وكتاب أخبار بني نمير. 16 - وكتاب ما يستعجم الناس فيه من القرآن. 17 - وكتاب الاستعانة بالشعر وما جاء في اللغات. 18 - وكتاب الاستعظام للنحو - وقد أورد ياقوت الفقرة الاخيرة على النحو التالي: كتاب الاستعظام، وكتاب النحو ومن كان يلحن من النحويين. ولكن هذه الكتب كلها لم يعثر عليها بعد، وقد تكون عملية عقابه بتمزيقها قد قضت عليها، ولكن بروكلمان يذكر أن كتاب الشعر والشعراء موجود بدار الكتب المصرية، وقد رجعنا ألى دار الكتب واطلعنا عليه فتبين أن اسمه طبقات الشعراء، وأنه ليس لعمر بن شبة. ولقد وجدنا نقولا عن ابن شبة لدى البري في تاريخه والبخاري في صحيحه، وأبي الفرج الاصفهاني في أغانيه، وابن أبي بكر في تمهيده، والسمهودي في وفائه. وأخيرا فقد عثر على هذا الكتاب العالم الجليل الفاضل سماحة السيد حبيب محمود أحمد رئيس مجلس الاوقاف بالمدينة المنورة بالكيفية والصورة التي بينها سيادته في التصدير لهذا الكتاب. التاريخ للمدن كتابات المؤرخين المسلمين ": وقبل أن نتحدث عن كتاب تاريخ المدينة فإننا نمهد لذلك بحديث قصير. كالمدخلية له. بدأ اشتغال مؤرخي المسلمين بكتابة سيرة الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وحولها تفجرت أفكارهم، فتناولوها من كل جوانبها، ومنذ
[ 11 ]
منتصف القرن الثاني الهجري وحتى وقتنا هذا والكتابة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم شغل كثيرين من مفكري الاسلام. وقد أحصى السخاوي المتوفى سنة 902 ه‌ حوالي مائة مؤلف تتناول السيرة العطرة، ولعلها الآن قد تجاوزت الآلاف. وقد اشتغل بعض المؤرخين المسلمين بالتأريخ للمدن الاسلامية، وأخذت كتابتهم صورا متعددة من صور المعالجة التاريخية. وإذا كان التأريخ لبعض المدن جاء عرضا في كتب السيرة إلا أنها لم تحظ بوقفات طويلة تروي ظمأ، أو تشفي غلة، اللهم إلا ما كان يتصل بمدينة الرسول صلوات الله وسلامه عليه أو بمكة المكرمة. لكن تاريخ المدن تناول جوانب عديدة يجد فيها الطالب بغيته. ويقال إن التأريخ للمدن نشأ في القرن الثالث الهجري، لكننا نقرأ أخبارا عن تواريخ نشأت قبل ذلك، مثل تاريخ مكة للحسن البصري المتوفى سنة 110 ه‌ ومنه نسخة في مكتبة تيمور بدار الكتب المصرية. وتاريخ المدينة لابن زبالة الذي لا يعلم تاريخ وفاته، ولكنه كان حيا سنة 199 ه‌. غير أن القرنين الثالث والرابع فد حظيا بكثير من المؤلفات في تواريخ المدن. وكثير منها ينسب لمحمد بن عمر الواقدي المتوفى سنة 207 ه‌ وكثير ينسب للمدائني علي بن محمد المتوفي سنة 215 ه‌، وكتاب تاريخ مكة للازرقي المتوفى سنة 244 ه‌، وكتاب فتوح مصر لابن عبد الحكم المتوفى سنة 257 ه‌، ثم يأتي دور كتاب تاريخ المدينة لابن شبة وتواريخه الاخرى، ويستمر تيار التأريخ للمدن منطلقا عبر القرون. وإذا نظرنا إلى طبيعة تواريخ المدن فإننا نجد عناوينها تحدد طبيعة بعضها، فإذا قيل فتوح مصر والمغرب، أو فتوح أرمينيا، أو فتوح الشام، أو قبل طبقات محدثي الموصل، أو شعراء البصرة، أو فضلاء المدينة، أو طبقات علماء أفريقيا وأهل تونس، أو قراء كذا، أو فقهاء كذا، أو ملوك كذا، فقد تحددت طبيعة التأريخ للمدينة. ولكننا نجد كثيرا من كتب التأريخ للمدن يتناول كل ما يتصل بالمدينة
[ 12 ]
سياسيا واجتماعيا ودينيا، ومن نزلها من الصحابة، أو التابعين، ومن برز فيها من القراء والمفسرين والمحدثين والفقهاء والمتكلمين، وعلماء النحو واللغة، والشعراء والادباء. ونجد طبيعة أخرى تتمثل في المعاجم البلدانية، وتتمثل فيما كتبه الرحالة عن المدن من أحاديث تمتزج فيها الخرافة بالحقيقة، وتتمثل فيما كتبه جغرافيو العرب، وفيما كتبه أصحاب الخطط والآثار، من المعلومات الموسوعية عن المدن. ثم نجد ذلك اللون المتميز عن الكتابة عن المدن، الذي انفرد به القلقشندي صاحب صبح الاعشى المتوفى سنة 821 ه‌، والذي يعتبر نموذجا متكاملا، يتناول مظاهر الحضارة في المدينة أو الاقليم، ويعنى بتوضيح مستوى التمدن والرقي الذي وصل إليه. ولقد أحصى ابن النديم المتوفى سنة 438 ه‌ من هذه الكتب حوالي 85 كتابا. وأحصى الصلاح الصفدي المتوفى 764 ه‌ منها حوالي 115 كتابا، وأحصى السخاوي منها حوالي 300 كتاب. ولعلنا لو رجعنا ألى كشف الظنون، ومفتاح السعادة، وتاريخ الادب العربي لبروكلمان، وتاريخ التراث العربي لفؤاد سيزجين، والكتب الاخرى التي تعنى بإحصاء المؤلفات. لوجدناها تحصي أكثر من الالف كتاب دون مبالغة. " كتاب تاريخ المدينة لعمر بن شبة: بعد التقديم السابق نقول: إن أول مؤلف في تاريخ المدينة هو كتاب محمد بن الحسن ين زبالة، إلا أنه لم يعثر عليه بعد، ولولا تلك النقول التي أوردها السمهودي المتوفى سنة 911 ه‌ في كتابه وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى وغيره من المؤلفين، لظللنا نجهل ذلك الكتاب إلى وقتنا هذا، وقد أفرد هذه النقول المستشرق فستنفيلد منذ قرن من الزمان تقريبا في كتاب سماه تاريخ المدينة لابن زبالة.
[ 13 ]
ويليه كتاب أمر المدينة للمدائني علي بن محمد، ولكننا لم نعثر عليه بعد، ثم كتاب أخبار المدينة للزبير بن بكار المتوفى 256 ه‌، ولكننا أيضا لم نعثر عليه بعد، ثم كتاب تاريخ المدينة لابن شبة. ولقد ظل هذا الكتاب مجهولا لا نعرف عنه إلا اسمه. ولم يذكر بروكلمان أن مكتبة ما في العالم تحوي نسخة منه، وكان جل اعتقادنا فيما ينسب إلى هذا الكتاب على نقول السمهودي، إلى أن أخرجه الله من ظلمات خزائن الكتب إلى نور الاطلاع والتداول منذ سنوات. ومخطوطته في 404 من الصفحات ورقمها في مكتبة مظهر الفاروقي 157 تاريخ، ومتوسط سطور الصفحة 27 سطرا، ومتوسط كلمات السطر عشرون كلمة، وقد كتبت المخطوطة بخط دقيق غير منقوط إلا نادرا، ولا نستطيع أن نحكم عليه بأنه نسخي عادي، ولا أنه ينتسب للون بعينه من ألوان الخط العربي، فهو غير محرر الرسم للحروف والكلمات، ولا يستطيع قارئ مهما أوتي من الخبرة والدراية أن يقيم قراءة سطر من سطوره دفعة واحدة. وليس في الكتاب ما يدل على أنه من خط عالم بعينه وإن جاء في هامش صفحة من صفحاته ما يشير إلى أنه بخط السخاوي، لكن هذا الخط يشبه إلى حد كبير خط الحافظ ابن حجر العسقلاني، بحيث لا يمكن التميز بينه وبين ما وجد بخطه من الكتب المحفوظة بدار الكتب المصرية. وأيا ما يكون الامر فإنه لا يمكننا أن نغفل ما ذكره السخاوي في كتابه " الاعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ " في حديثه عن الكتب التي ألفت عن المدن الاسلامية: " المدينة النبوية لعمر بن شبة " كما في ترجمته، وهو عند صاحبنا ابن فهد، نقله من نسخة بخط شيخنا - أي ابن حجر العسقلاني - كانت عند ابن السيد عفيف الدين " وهذه المقولة تؤكد وجود نسخة من الكتاب بخط الحافظ ابن حجر، وتجعلنا بالتالي نرجح أنها هي نسخة مكتبة مظهر الفاروقي. المؤلف يورد الاخبار على طريقة المحدثين ومنهجهم، فيذكر سنده كاملا إلى أن يصل شاهد الحادثة أو سامعها أو ناقلها.
[ 14 ]
والكتاب في صورته التي وصلنا بها يضم ثلاثة أقسام: أولها عن حياة الرسول صلوات الله وسلامه عليه في المدينة، وهو ناقص من أوله ومن آخره ومضطرب الترتيب إذا قورن بما على شاكلته من الكتب. ويليه قسم آخر عن حياة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المدينة، وهو أيضا ناقص من أوله وناقص من آخره. ويليه قسم ثالث عن حياة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه في المدينة، وهو ناقص من أوله ومن آخره أيضا. ولا تخلو الاقسام الثلاثة من سقط وبياض وخرم يتراوح بين الكلمة والصفحة، ولكنه يكثر في القسم الثالث. ويلاحظ أن الكتاب لا يضم تاريخا لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وهذا يدعو إلى افتراض أحد فرضين: إما أن المؤلف ضمن كتابه تاريخ أبي بكر، ولكنه فقد من الكتاب في محنته التي أشرنا إليها سابقا والتي عوقب فيها بتمزيق كتبه، وإما أنه أهمل تاريخ أبي بكر، لان عصره كان قصيرا قضاه أبو بكر مشتغلا بحروب الردة مما صرفه عن الاهتمام بالحياة العمرانية للمدينة وغير العمرانية من أمور الدنيا، والله أعلم أي الفرضين هو الصواب. والقسم الاول: يمكن أن يقال بشأنه إنه يؤرخ لحياة الرسول صلوات الله وسلامه عليه في المدينة منذ أن هاجر إليها إلى أن لحق بالرفيق الاعلى ويعالج من خلال ذلك الحياة العمرانية للمدينة من حيث إقامة المساجد وتخصيص الصدقات، وتخطيط الاحياء وإنزال القبائل في أحياء خاصة بهم وتخطيط الاسواق ومقابر المدينة وذكر الآبار والعيون وحدود المدينة وما حولها من جبال ووديان ومجتمع مياهها ومخايضها وما حماه النبي صلى الله عليه وسلم لابل الصدقة وغيرها. وهو في ذلك يعد أقدم نص وصلنا عن تاريخ العمران في مدينة الرسول صلوات الله وسلامه عليه.
[ 15 ]
والقسم الثاني: مؤرخ لحياة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المدينة منذ تولى الخلافة حتى لحق بالرفيق الاعلى شهيدا على يد أبي لؤلؤة المجوسي، وقد عني فيه بالاصلاحات التي أدخلها عمر على مرافق المدينة، والتوسيعات التي أجراها في مسجد الرسول، كما عني بشرح سياسة الخليفة عمر في إرساء قواعد العدل، ومراقبته للولاة وأولي الامر في إدارة شئون الرعية، ومعالجته الازمات الاقتصادية وبخاصة في عام الرمادة، وتنمية بيت المال بحيث أصبح يضمن رزقا لكل مسلم حتى الطفل الرضيع. وحماية الاحماء لترعى فيها خيول الجهاد وإبل الصدقة.. والحديث عن رحلاته ألى الشام، وتفقده لاحوال المسلمين، وإرسائه أسس العلاقة مع أهل الذمة في تلك البلاد. وإذا كان هناك من كتب عن حياة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتب التاريخ العام كالطبري، أو في كتب التاريخ الخاص كأنساب الاشراف، وكتب الطبقات، أو في كتب المناقب كابن الجوزي في مناقب عمر، وابن عنان في الغوث الاكبر في مناقب الجد الاعظم عمر، أو غير ذلك، فإن ما كتبه ابن شبة عن عمر رضي الله عنه يعتبر النص الرائد في هذا المجال، من حيث قرب العهد، وتوثيق الاخبار والنصوص، والصدق في العرض مع غزارة المادة. والقسم الثالث: يؤرخ لحياة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، ويعني بخاصة بجمع الناس على نسخة واحدة من القرآن والاسباب التي دعت لذلك، وكيف كتب المصحف، كما يعنى بالحديث عن الفتوحات وسعة الارزاق، والرفاهية التي عاشها أهل المدينة، وكيف دخل على المجتمع المدني بعض أنواع اللهو، ومحاربة أمير المؤمنين للعب النرد، ورمي الجلاهقات (قوس البندق) وتطيير حمام. ثم تناول بالتوسع الاحداث التي سبقت الفتنة الكبرى، وتطور تلك الاحداث، وما روي عن مواقف بعض الصحابة منها.
[ 16 ]
والنهاية الاليمة التي لقيها أمير المؤمنين بين المدافع عنه والخاذل، والتي فتحت أبواب الشر على المجتمع الاسلامي. ولعلنا لا نجد نصا قديما قد عالج حياة عثمان والمجتمع المدني وأحداث الفتنة بمثل الدقة والتوسع، والاستيثاق والحيدة في الاحكام يضارع أو يقرب مما كتبه ابن شبة في هذا الكتاب، مما يجعله أهم النصوص الاصيلة التي بين أيدينا. وأخيرا، فإذا كان هذا الكتاب قد مني بحظ عاثر فتأخر اكتشافه، وتأخر تحقيقه، إلا أننا نستطيع أن نقول: إنه بفضل الله تعالى، وبفضل الغيورين على العلم والاوفياء لمدينة الرسول ممثلين في سماحة السيد حبيب محمود أحمد نضم إلى الاصول الرائدة في تاريخ السيرة النبوية، والحياة الاسلامية في مدينة الرسول في الحقبة التي تولى أمور المسلمين فيها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنهما كتابا آخر هو تاريخ المدينة لعمر بن شبة النميري البصري. ونحمد الله تعالى على أنه سدد الخطى، وبارك في الجهد، وسهل الصعب حتى تم تحقيق الكتاب، وهو وحده نعم المولى ونعم النصير، ولعلي أكون عند حسن ظن بعض الاساتذة الافاضل الذين أشفقوا علي حينما علموا بإقدامي على تحقيق هذا الكتاب. وأخيرا فإني أشكر كل من تفضل بمعاونتي في صورة ما من صور المعاونة، وأدعو الله أن يجزيهم عني وعن العلم أحسن الجزاء.. فهيم محمد شلتوب مكة المكرمة في 14 من رجب سنة 1399 (8 من يونية سنة 1979 م)
[ 1 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
[ 3 ]
بسم الله الرحمن الرحيم (الصلاة على الجنائز) [1] *....... [2] قال: إن أول ما قدم [3] رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة (كان) [4] إذا احتضر منا الميت آذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحضره واستغفر له، حتي إذ قبض انصرف النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد موت جابر [5] فربما طال حبس ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[1] إضافة على الاصل.
[2] بياض بالاصل بمقدار ثلاثة أرباع السطر. وقد روى السمهودي هذا الحديث في وفاء الوفا (2: 531 تحقيق محيي الدين عبد الحميد) قائلا: فقد روى ابن شبة عن صحابي - سقط اسمه من النسخة التي وقفت عليها - حديثا محصله. وساق الحديث. وقد ورد في المستدرك مع التلخيص 1: 364 ط الرياض " حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ابن يوسف الحافظ إملاء، حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب، حدثنا أبو الحسين سريج بن النعمان الجوهري، حدثنا فليح بن سليمان، عن سعيد بن عبيد بن السباق، عن أبي سعيد الخدري. وساق الحديث بنصه، وقال: هذا حديث صحيح عند الشيخين ولم يخرجاه، وقد أمليته مختصرا.
[3] هذا اللفظ وارد بهامش اللوحة.
[4] إضافة على الاصل. من رواية السمهودي.
[5] كذا في الاصل، وهو جابر بن عتيك كما في حديث ابن عباس رضى الله عنه أنه قال: أتى بجنازة جابر بن عتيك - أو قال سهيل بن عتيك. وكان أول من صلى عليه في موضع الجنائز (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 3: 32) وفي رواية السهودي: " وربما قعد ومن معه فربما طال حبس ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فلما خشينا مشقة ذلك عليه قال بعض القوم لبعض: لو كنا لا نؤذن النبي صلى الله عليه وسلم بأحد حتى يقبض فإذا قبض آذناه، فلم يكن عليه في ذلك مشقة ولا حبس (ص 376 وفاء الوفاء ج 1 ط مطبعة الآداب والمؤيد بمصر سنة 1326 ه‌. (*)

اسم الکتاب : تاريخ المدينة المؤلف : عمر بن شبه النميري البصري    الجزء : 1  صفحة : 3
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست