و نهارا و صباحا و مساء بين أصحابه في سفره و حضره، و لا يخفى على من له أدنى إلمام بكتب الحديث و التاريخ من السنة و الشيعة، فمن شاء الوقوف على كلماته ((صلى الله عليه و آله)) الناصعة الصريحة الخالدة فعليه بالمراجعات و الغدير و العبقات و الشافي و إحقاق الحق و تعليقاته و البحار و.. ..
و لما حان منه ((صلى الله عليه و آله)) الخفوق و الأفول، و اشتكى شكواه التي توفي فيها اجتمع عنده المهاجرون و الأنصار و هو في اخريات أيام حياته ظاعنا عن الدنيا مقبلا إلى لقاء ربه مستريحا عن تعب هذه الدار الفانية راحلا إلى النعيم الباقي قد حف بالملائكة الأبرار، و استعد للقاء الله سبحانه.
فنظر إلى أصحابه و أهله نظرة رحيمة يشاهد ما سوف يقع من سماسرة الأهواء و مزلات الأقدام و زلل الآراء، و يرى ما يصيب الامة الاسلامية من مضلات الفتن كقطع الليل المظلم، و من الانحراف الفكري الذي سيقع في الاسلام، و الفرق تقع بين المسلمين، فأراد أن يكتب لهم كتابا يحفظهم من العثرات، و يعصمهم من الفتن، و يقيهم عن ظلمات الهرج و المرج، فقال: ائتوني بدواة و بيضاء أكتب لكم لن تضلوا بعدي أبدا.
فعندئذ أطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا أشياعه، فألفاهم لدعوته مستجيبين، و لهتافه ملبين، فوسوس في صدورهم و نطق بألسنتهم، فأخرجهم عن الطريق القويم و الصراط المستقيم، فقال قائلهم: إن رسول الله يهجر- و العياذ بالله- حسبنا كتاب الله، فكثر اللغط و طال الحوار في البيت، و اختلفوا فيما بينهم فريق يقول: القول ما قال عمر و فريق آخر يقول: ائتوا بالدواة و البيضاء، فعند ذلك أعرض النبي ((صلى الله عليه و آله)) عنهم بوجهه الكريم قائلا" قوموا عني" (و إلى الله المشتكى) ..