(.. إن المرأة كانت تأتي إبنها أو أخاها
فتقول : انصرف ، الناس يكفونك ، ويجئ الرجل إلى ابنه أو أخيه ، فيقول : غدا يأتيك
أهل الشام ، فام تصنع بالحرب والشر ..؟) [١].
إن هذا النص ، وهو يصور هذا الموقف
الانهزامي من تحرك مسلم ابن عقيل ، يوحي إلى الباحث المتأمل أن نسبة عالية من
المقاتلين الذين نهضوا مع مسلم بن عقيل كانوا من الشبان ، ففيهم الابناء والاخوة ،
وليس فيهم الآباء والازواج.
إننا نعترف بأن هذه الدلالة ليست قاطعة
، ولكنها تجعلنا نميل إلى ترجيح ما تقضي به طبيعة الاشياء ، وهو أن إرادة التغيير
غالبا ما توجد في نفوس الشبان دون الشيوخ الذين يميل غالبهم إلى المحافظة ، وإيثار
حالة الاستقرار. إلا أننا في حالتنا هذه (الثورة الحسينية) نواجه عاملا استثنائيا
يرجح أن تكون الاستجابات للثورة ـ في الكوفة بوجه خاص ـ قد حدثت بنسبة عالية بين
الشيوخ وكبار السن ، فهؤلاء قد خبروا بأنفسهم أسلوب الامام علي عليه السلام في
الحكم وسياسة الناس وتوزيع الاموال ، وخبروا من بعده بأنفسهم أيضا أسلوب معاوية في
الحكم وسياسة الناس ، وسياسته في الاموال ، ورأوا ما بينهما من فروق كبيرة ، وهم ،
مع هذه الخبرة المباشرة بهذين الاسلوبين في الحكم ، يعرفون تجاوز معاوية لكثير من
أحكام الاسلام ووصاياه ، فهم بحكم هذه الخبرة وهذه المعرفة مؤهلون لان يفهموا ثورة
الحسين ، ويتجاوبوا معها أكثر من جيل الشبان الذين لم يعرفوا إلا عهد معاوية ، ولم
يعانوا إلا وجها واحدا من التجربة هو