اسم الکتاب : المسترشد في إمامة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الطبري الشيعي، محمد بن جرير الجزء : 1 صفحة : 323
و إنّما ذكرنا جملا من التّفسير، و كرهنا التّطويل، و أتينا
بجوامع، من التلخيص، لعلمنا بمعرفة من لم يجر إلى العبادة أنّه مباين للعالم في
أسبابه، و نأي عن دينهم في إكتسابه للكمال الّذي قصروا عنه من حال طفولته إلى حين
كهولته، و كان بحيث يتعجّب المتأمّل، و يبهر المتفرّس فيه و يقهر بالبيان مناظريه،
و يفسرّ بالبرهان مناكريه.
و من الدّليل أيضا أنّه
رأى أباه و عمومته و عشيرته، و قبائل العرب يشهدون على رسول اللّه أنّه كذّاب، و
أنّه ساحر، ثمّ لا يصرفه ذلك من التمسّك به و الثّبات على ما قيل فيه، و المسارعة
إلى أموره[1] صبيّا صغيرا
و يافعا كبيرا يصلّي معه و النّاس بين هازل و ساخر لا يرى له مع المكذّبين مصدّقا،
و هم ملء الأرض، و لا مع المدافعين محقّقا، قد قنع بالواحد، و إغتبط بالدّين لا
بالدّنيا، و لا بما يفيده، لا يستزيد منها و لا توحشه القلّة، و لا تهزّه وفور
الكثرة، إنّما هو التّفويض، فتبارك اللّه ما أعمى هذه القلوب؛ ألا يفكّرون؟، أنّ
اللّه عزّ و جلّ لم يقرن هذا الرّجل في حال شبابه برسول اللّه، و لم يتّصل[2] به إلّا و
قد اختاره من بين العالم، و ركّب فيه ما هو ظاهر لأولي الألباب من حسن الفهم و
إمضاء العزم، و وعي الرّسالة عن الرّسول، و التنزّه عن رجاسة الجاهليّة، إذ لم يخش
إلّا اللّه في أحواله كلّها،