فإنّه ما دام يزاول هذه المهنة و العمل فوظيفته
التمام، سواء اتّخذ وطنا له على وجه الكرة أم لا. نعم، إذا تجوّل الإنسان في انحاء
العالم بمجرّد الترفه و التنزّه و زيارة البلدان و معالمها الطبيعية و مناظرها و
آثارها القديمة و متاحفها فإنّه يقصر في صلاته، لأنّ سفره هذا سفر اعتياديّ و لا
ينطبق عليه شيء من المعايير المتقدمة. نعم، من يتّخذ ذلك مهنة و حرفة له يتم، و
أمّا من أعرض عن وطنه و لكنّه لم يتّخذ وطنا آخر له، على أساس أنّه لا يستطيع أن
يتحكّم في ظروف عمله كالموظّف، فإنّه يسكن في بلد من أجل شغله و عمله فيه إلى مدّة
سنة أو أقلّ ثمّ ينتقل منه إلى بلد آخر، على أساس أنّ شغله يتطلّب ذلك و هكذا فهل
عليه أن يتمّ أو يقصر؟
و
الجواب: أنّه يتمّ في صلاته من جهة أنّ شغله في السفر.
السابع:
أن يصل إلى حدّ الترخّص،
و
هو المكان الّذي يتوارى فيه المسافر عن عيون أهل البيوت الكائنة في منتهى البلدان،
و علامة ذلك أنّه لا يرى أهل بلده، مثلا إذا وقف شخص في آخر بيوت البلد و كان يرى
المسافر يبتعد عنه إلى أن حجبت عنه رؤيته بحيث لا هو يرى المسافر و لا المسافر
يراه فيتوارى كلّ منهما عن الآخر، فحينئذ يجب عليه القصر سواء غابت عن عين المسافر
عمارات البلد و بناءاته أيضا أم لا، و هذا معيار ثابت و لا يزيد و لا ينقص، فإذا
فرض أنّ الأرض منبسطة و الجوّ صاف و هادئ و الرؤية متمثّلة في رؤية أدنى فرد من
الإنسان الاعتياديّ و أقلّه، كان حجب المسافر عن نظره كاشفا عن أنّه حدّ الترخّص
واقعا، إذ لا يحتمل أن يختلف حدّ الترخّص باختلاف أفراد الإنسان المسافر من حيث
قوّة رؤيته و ضعفها كما أنّه لا يختلف باختلاف قوّة سامعة المسافر و ضعفها، فإنّ
المناط إنّما هو بعدم سماع أدنى فرد الإنسان الاعتياديّ، و على هذا فإذا توارى
المسافر عن نظر الواقف في آخر عمارة البلد