و على هذا فلا دلالة فيها على طهارة أهل
الكتاب التي هي مراد المستدلّين بها بل لعل الأمر بالعكس.
و منها حسنة الكاهلي قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام و انا
عنده عن قوم مسلمين حضرهم رجل مجوسي أ يدعونه الى طعامهم؟ قال: امّا انا فلا ادعوه
و لا أؤاكله و انّى لا كره ان أحرّم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم. [1] فانّ
الظاهر منها هو جواز دعوة المسلم المجوسيّ إلى طعامه و ان كان يكره ذلك و إذا جاز
ذلك فاللازم هو طهارة المجوسيّ.
و فيه انّه لا يصحّ التمسك بها أيضا فإنّ فيها شائبة التقيّة بشهادة
نفس الرواية و قرينة قوله عليه السلام في آخرها: شيئا تصنعونه في بلادكم فإنّه
بمنزلة أن يقول: لو أقول انّه حرام يصير سببا لا ذاك و انجرّ الى بروز الحوادث و
توجّه المكاره إليك لانّه شيء دائر بينكم و رائج في بلادكم تصنعونه كثيرا و انكم
تضطرّون إلى المعاشرة معهم و الّا فالحكم الواقعي هو الحرمة.
و منها رواية زكريّا بن إبراهيم قال: دخلت على ابى عبد اللّه عليه
السلام فقلت: انّى رجل من أهل الكتاب و انّى أسلمت و بقي أهلي كلّهم على
النّصرانية و انا معهم في بيت واحد لم أفارقهم فآكل من طعامهم؟ فقال لي: يأكلون
لحم
______________________________
أحكامهم المستندة إلى ظنونهم و لعلّ نهيه عليه السلام عن أكل
طعامهم محمول على الكراهة ان أريد الحبوب و نحوها.
و يمكن جعل قوله: لا تأكله مرّتين للإشعار بالتحريم كما هو ظاهر
التأكيد و يكون قوله بعد ذلك:
لا تأكله و لا تتركه محمولا على التقيّة بعد حصول التنبيه و
الاشعار بالتحريم، هذا ان أريد بطعامهم اللحوم و ما باشروه برطوبة، و يمكن تخصيص
الطعام بما عدا اللحوم و نحوها و يؤيده تعليله عليه السلام باشتمال آنيتهم على
الخمر و لحم الخنزير. انتهى كلامه رفع مقامه.
[1]. الحدائق ج 5 ص 170، و في الوسائل ج 16 ب 53 من الأطعمة
المحرمة: الكاهلي قال:
سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قوم مسلمين يأكلون و حضرهم
مجوسي أ يدعونه الى طعامهم؟
فقال امّا انا فلا اواكل المجوسي و اكره ان أحرّم عليكم شيئا
تصنعونه في بلادكم.