اسم الکتاب : تصحيح اعتقادات الإمامية المؤلف : الشيخ المفيد الجزء : 1 صفحة : 61
المراد به أنه [أراد منهم][1] التوحيد و لو كان الأمر كذلك ما كان
مخلوق إلا موحدا و في وجودنا من المخلوقين من لا يوحد الله تعالى دليل على أنه لم
يخلق التوحيد في الخلق بل خلقهم ليكتسبوا التوحيد.
و قد قال تعالى في شاهد
ما ذكرناه وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[2] فبين أنه إنما
خلقهم لعبادته.
و قد روي عن النبي ص
رواية تلقاها العامة و الخاصة بالقبول قال كل مولود يولد فهو على الفطرة و إنما
أبواه يهودانه أو ينصرانه[3].
و هذا أيضا مبين عن صحة
ما قدمناه من أن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه و فطرهم ليوحدوه و إنما أتى الضالون
من قبل أنفسهم و من أضلهم من الجن و الإنس دون الله
[3] قال العلّامة الشّهرستانيّ في مجلّة( المرشد-
ص 26- 27 ج 1): الفطرة هي ما يقتضيه الشّيء لو خلّي و نفسه و بدون مانع، فإذا
قيل:« الصّدق فطريّ في البشر» معناه أنّ الإنسان لو خلّي و نفسه فإنّ حالته
الفطريّة تقتضي أن يصدق كلامه، و هذه الفطرة قد تدوم فيه كما هو الغالب، و قد تزول
عنه بمانع أقوى فيلتجئ إلى الكذب، كما أنّ القائل: سقوط الحجر إلى الأرض طبيعيّ،
معناه: أنّ الحجر المتحرّك حول الأرض لو خلّي و نفسه فحكمه السّقوط إلى الأرض، و
هذا لا يمنع أن يتخلّف عن طبيعته لعارض و بسبب قاسر.
و عليه فكون دين الإسلام فطريّا
في البشر لا ينافي وجود سبب عارض يقسره يوما على مخالفته الفطرة، و بعبارة فنيّة«
إنّ الفطرة اقتضاء لا ضرورة» كما يصرّح بذلك حديث« كلّ مولود يولد على الفطرة، و
إنّما أبواه يهوّدانه و ينصّرانه».
و أمّا معنى فطريّة دين الإسلام؛
فالرّاجح أنّه بعنوانه المجموعيّ، اي إنّ الإسلام إذا قيس إلى أيّ دين آخر كان هو
دين الفطرة دون غيره- كما أشار إليه الحديث النّبويّ المتقدّم.
و ممّا يريك دين الإسلام بلباسه
الفطريّ، أنّ حقيقة الإسلام هو أن يسلّم المرء أمره إلى-- خالقه و أن يسالم
المخلوقين، و هل هذا إلّا قضيّة الفطرة.
و قال نبيّ الإسلام صلّى اللّه
عليه و آله و سلّم:« المسلم من سلم المسلمون من يده و لسانه».
ثمّ إن الإسلام بني على توحيد
اللّه في ذاته و صفاته و توحيده في عنايته و عبادته، و هل هذا إلّا الفطرة، و اسّس
شرعه على العدل و الإحسان و الفضيلة و المحبّة، و كلّها أحكام الفطرة.
فالإسلام بهذا المعنى دين الفطرة
و شرع الحقيقة، و هذا المعنى هو دين اللّه الحقيقيّ، و هو أقدم شرائع البشر من عهد
إبراهيم- عليه السّلام- و الّذين من قبله، و القرآن يقول في إبراهيم- عليه
السّلام- إنّه: كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً( آل عمران: 68) أي: متديّنا
بالدّين الأصليّ، أعني به إسلام الفرد نفسه لربّه و مسالمته مع عباده. چ.
اسم الکتاب : تصحيح اعتقادات الإمامية المؤلف : الشيخ المفيد الجزء : 1 صفحة : 61