responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تصحيح اعتقادات الإمامية المؤلف : الشيخ المفيد    الجزء : 1  صفحة : 30

تأويل اليد

فصل و مضى في كلام أبي جعفر رحمه الله شاهد اليد عن القدرة قوله تعالى‌ وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ[1] فقال ذو القوة[2].

قال الشيخ المفيد رحمه الله و فيه وجه آخر و هو أن اليد عبارة عن النعمة قال الشاعر

له علي أياد لست أكفرها

و إنما الكفر ألا تشكر النعم.

فيحتمل أن قوله تعالى‌ داوُدَ ذَا الْأَيْدِ يريد به ذا النعم و منه قوله تعالى‌ بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ‌[3] يعني نعمتيه العامتين في الدنيا و الآخرة


[1] ص: 17.

[2] الاعتقادات ص 23، مجمع البيان 4: 469، التّوحيد: 153/ 1.

[3] قوله تعالى: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ‌ هي الآية الرّابعة و السّتّون في سورة المائدة، و تمامها: وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ ... إلخ، استعارة أسماء الجوارح للمعاني و المجرّدات سائغة و شائعة كقوله تعالى: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ‌ البقرة: 238. و ليس للنّكاح عقدة محسوسة و لا أنشوطتها في كفّ وليّ الزّوج الحسّيّة، فمن الجهل الفاضح توقّف المجسّم من تأويل اليد في الكتاب و السّنّة.

و في الحديث النّبويّ: الحجر الأسود يمين اللّه في أرضه، و قد حكى اتّفاق الظّاهريّة، حتّى الإمام أحمد بن حنبل على وجوب تأويل هذا الحديث، فليست الاستعارة عار الكلمة لو-- لم تكن زينتها، و لا هي بدعا في العربيّة، بل هي سنّة البلغاء من كلّ الأمم، فللجميع تعابير شكوى من يد الزّمان حيث لا يد للزّمان و لا جسد، و لهم الشّكوى من يد المنون و ليس بذي يد.

و قال الشّاعر الجاهليّ:« و إذا المنية أنشبت اظفارها» ... إلخ، و أنّى للمنايا من أكفّ أو أظافير، فهل يحمل المجسّم كلّ هذه الكلم على حقائقها اللّغويّة المحسوسة، أم يختار فيها و في أمثالها ما نرجّحه في آية: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ‌( ص: 75)؟

و إذا جاز المجاز في القرآن و لو مبدئيّا فلنا على تأويل اليد في خصوص هذه الآية شاهدان منها عليها، أحدهما: جملة غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ‌ فإنّ أيدي اليهود المحسوسة لم تغلّ بأغلال محسوسة، و إنّما ذلك منه كناية عن خزي و عار لحقا بهم، و ثانيهما: جملة يُنْفِقُ‌« برحمته» كَيْفَ يَشاءُ فإنّه دليل إرادة النّعمة من كلمة اليد- كما اختاره الشّيخ المفيد و غيره.

و في القرآن شاهد ثالث في( سورة الاسرى: 29): وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى‌ عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ ... إلخ، فإنّ مغلة اليد فيها كناية عن الشّحّ و التّقتير، و بسطها كناية عن التّبذير و السّرف في الصّرف أو العطاء، و القرآن يفسّر بعضه بعضا. ش.

اسم الکتاب : تصحيح اعتقادات الإمامية المؤلف : الشيخ المفيد    الجزء : 1  صفحة : 30
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست