[3] قوله تعالى: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ هي
الآية الرّابعة و السّتّون في سورة المائدة، و تمامها: وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ
اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ
مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ ... إلخ، استعارة أسماء الجوارح
للمعاني و المجرّدات سائغة و شائعة كقوله تعالى: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي
بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ البقرة: 238. و ليس للنّكاح عقدة محسوسة و لا
أنشوطتها في كفّ وليّ الزّوج الحسّيّة، فمن الجهل الفاضح توقّف المجسّم من تأويل
اليد في الكتاب و السّنّة.
و في الحديث النّبويّ: الحجر
الأسود يمين اللّه في أرضه، و قد حكى اتّفاق الظّاهريّة، حتّى الإمام أحمد بن حنبل
على وجوب تأويل هذا الحديث، فليست الاستعارة عار الكلمة لو-- لم تكن زينتها، و لا
هي بدعا في العربيّة، بل هي سنّة البلغاء من كلّ الأمم، فللجميع تعابير شكوى من يد
الزّمان حيث لا يد للزّمان و لا جسد، و لهم الشّكوى من يد المنون و ليس بذي يد.
و قال الشّاعر الجاهليّ:« و إذا
المنية أنشبت اظفارها» ... إلخ، و أنّى للمنايا من أكفّ أو أظافير، فهل يحمل
المجسّم كلّ هذه الكلم على حقائقها اللّغويّة المحسوسة، أم يختار فيها و في
أمثالها ما نرجّحه في آية: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ( ص: 75)؟
و إذا جاز المجاز في القرآن و لو
مبدئيّا فلنا على تأويل اليد في خصوص هذه الآية شاهدان منها عليها، أحدهما: جملة
غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ فإنّ أيدي اليهود المحسوسة لم تغلّ بأغلال محسوسة،
و إنّما ذلك منه كناية عن خزي و عار لحقا بهم، و ثانيهما: جملة
يُنْفِقُ« برحمته» كَيْفَ يَشاءُ فإنّه دليل إرادة النّعمة من
كلمة اليد- كما اختاره الشّيخ المفيد و غيره.
و في القرآن شاهد ثالث في( سورة
الاسرى: 29): وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا
تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ ... إلخ، فإنّ مغلة اليد فيها كناية عن الشّحّ و التّقتير،
و بسطها كناية عن التّبذير و السّرف في الصّرف أو العطاء، و القرآن يفسّر بعضه
بعضا. ش.
اسم الکتاب : تصحيح اعتقادات الإمامية المؤلف : الشيخ المفيد الجزء : 1 صفحة : 30