و الحجة في إباحة ذلك: إجماع الطائفة، و أيضا قوله تعالى «نِسٰاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ»، و معنى أنى شئتم كيف شئتم و في أي موضع شئتم و آثرتم، و لا يجوز حمل لفظة «أَنّٰى» هاهنا على الوقت، لأن لفظة «أَنّٰى» تختص الأماكن و قلما تستعمل في الأوقات، و اللفظة المختصة بالوقت أيان شئتم، و لا فرق بين قولهم: ألق زيدا أنى كان و أين كان في عموم الأماكن.
على أنا لو سلمنا أن الوقت مراد بهذه اللفظة حملناها على الأمرين معا من الأوقات و الأماكن.
فأما من ادعى أن المراد بذلك إباحة وطء المرأة من جهة دبرها في قبلها بخلاف ما تكرهه اليهود من ذلك، فهو تخصيص لظاهر الكلام بغير دليل، و الظاهر متناول لما قالوه و لما قلناه.
فأما الطعن على هذه الدلالة بأن الحرث لا يكون إلا بحيث النسل، و قد سمى الله تعالى النساء حرثا فيجب أن يكون الوطء حيث يكون النسل، فليس بشيء، لأن النساء و إن كن لنا حرثا فقد أبيح لنا وطؤهن بلا خلاف في غير موضع الحرث، كالوطء دون الفرج و ما أشبهه. و لو كان ذكر الحرث يقتضي ما ذكروه لتنافي أن يقول لنا: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم من قبل أو دبر، و قد علمنا أن ذلك صحيح غير متناف.
و لا يمكن الاستدلال على إباحة ما ذكرناه بما تعلق به قوم فيها من قوله تعالى:
«أَ تَأْتُونَ الذُّكْرٰانَ مِنَ الْعٰالَمِينَ وَ تَذَرُونَ مٰا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوٰاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عٰادُونَ»[2]، و قالوا: لا يجوز أن يدعو إلى التعوض عن الذكران بالأزواج إلا
[1] سبل السلام: ج 3- 138، نيل الأوطار: ج 6- 201 و 202.